(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) ومن لم يكن له ما يكون له وزن ، وهم الكفار لقوله تعالى : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً). (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) غبنوها حيث ضيعوا زمان استكمالها وأبطلوا استعدادها لنيل كمالها. (فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) بدل من الصلة أو خبر ثان «لأولئك».
(تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ)(١٠٦)
(تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) تحرقها واللفح كالنفح إلا أنه أشد تأثيرا. (وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) من شدة الاحتراق والكلوح تقلص الشفتين عن الأسنان ، وقرئ «كلحون».
(أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) على إضمار القول أي يقال لهم (أَلَمْ تَكُنْ). (فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) تأنيب وتذكير لهم بما استحقوا هذا العذاب لأجله.
(قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) ملكتنا بحيث صارت أحوالنا مؤدية إلى سوء العاقبة ، وقرأ حمزة والكسائي «شقاوتنا» بالفتح كالسعادة وقرئ بالكسر كالكتابة. (وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ) عن الحق.
(رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ)(١٠٨)
(رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) من النار. (فَإِنْ عُدْنا) إلى التكذيب. (فَإِنَّا ظالِمُونَ) لأنفسنا.
(قالَ اخْسَؤُا فِيها) اسكتوا سكوت هوان في النار فإنها ليست مقام سؤال من خسأت الكلب إذا زجرته فخسأ. (وَلا تُكَلِّمُونِ) في رفع العذاب أو لا تكلمون رأسا. قيل إن أهل النار يقولون ألف سنة : (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) ، فيجابون (حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) فيقولون ألفا (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) ، فيجابون (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ) فيقولون ألفا (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) ، فيجابون (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) ، فيقولون ألفا (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) ، فيجابون (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ) ، فيقولون ألفا (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً) ، فيجابون (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ) فيقولون ألفا (رَبِّ ارْجِعُونِ) ، فيجابون (اخْسَؤُا فِيها) ثم لا يكون لهم فيها إلا زفير وشهيق وعواء.
(إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ)(١١١)
(إِنَّهُ) إن الشأن وقرئ بالفتح أي لأنه. (كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي) يعني المؤمنين ، وقيل الصحابة وقيل أهل الصفة. (يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).
(فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) هزؤا وقرأ نافع وحمزة والكسائي هنا وفي «ص» بالضم ، وهما مصدر سخر زيدت فيهما ياء النسب للمبالغة ، وعند الكوفيين المكسور بمعنى الهزء والمضموم من السخرة بمعنى الانقياد والعبودية. (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) من فرط تشاغلكم بالاستهزاء بهم فلم تخافوني في أوليائي. (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) استهزاء بهم.
(إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا) على أذاكم. (أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) فوزهم بمجامع مراداتهم مخصوصين به ، وهو ثاني مفعولي (جَزَيْتُهُمُ). وقرأ حمزة والكسائي بالكسر استئنافا.