(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) (٩٨)
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) وهو الصفح عنها والإحسان في مقابلتها لكن بحيث لم يؤد إلى وهن في الدين. وقيل هي كلمة التوحيد والسيئة الشرك. وقيل هو الأمر بالمعروف والسيئة المنكر وهو أبلغ من ادفع بالحسنة السيئة لما فيه من التنصيص على التفضيل. (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) بما يصفونك به أو بوصفهم إياك على خلاف حالك وأقدر على جزائهم فكل إلينا أمرهم.
(وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) وساوسهم ، وأصل الهمز النخس ومنه مهماز الرائض ، شبه حثهم الناس على المعاصي بهمز الراضة للدواب على المشي والجمع للمرات أو لتنوع الوساوس أو لتعدد المضاف إليه.
(وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) يحوموا حولي في شيء من الأحوال ، وتخصيص حال الصلاة وقراءة القرآن وحلول الأجل لأنها أحرى الأحوال بأن يخاف عليه.
(حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(١٠٠)
(حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) متعلق ب (يَصِفُونَ) ، وما بينهما اعتراض لتأكيد الإغضاء بالاستعاذة بالله من الشيطان أن يزله عن الحلم ويغريه على الانتقام أو بقوله (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ). (قالَ) تحسرا على ما فرط فيه من الإيمان والطاعة لما اطلع على الأمر. (رَبِّ ارْجِعُونِ) ردوني إلى الدنيا والواو لتعظيم المخاطب. وقيل لتكرير قوله ارجعني كما قيل في قفا وأطرقا.
(لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) في الإيمان الّذي تركته أي لعلي آتي الإيمان وأعمل فيه ، وقيل في المال أو في الدنيا. وعنه عليه الصلاة والسلام «قال إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا أنرجعك إلى الدنيا ، فيقول إلى دار الهموم والأحزان بل قدوما إلى الله تعالى ، وأما الكافر فيقول رب ارجعون». (كَلَّا) ردع عن طلب الرجعة واستبعاد لها. (إِنَّها كَلِمَةٌ) معنى قوله (رَبِّ ارْجِعُونِ) إلخ ، والكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض. (هُوَ قائِلُها) لا محالة لتسلط الحسرة عليه. (وَمِنْ وَرائِهِمْ) أمامهم والضمير للجماعة. (بَرْزَخٌ) حائل بينهم وبين الرجعة. (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) يوم القيامة ، وهو إقناط كلي عن الرجوع إلى الدنيا لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا وإنما الرجوع فيه إلى حياة تكون في الآخرة.
(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ)(١٠٣)
(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) لقيام الساعة والقراءة بفتح الواو وبه وبكسر الصاد يؤيد أن (الصُّورِ) أيضا جمع الصورة. (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) تنفعهم لزوال التعاطف والتراحم من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة بحيث يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه أو يفتخرون بها. (يَوْمَئِذٍ) كما يفعلون اليوم. (وَلا يَتَساءَلُونَ) ولا يسأل بعضهم بعضا لاشتغاله بنفسه ، وهو لا يناقض قوله (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) لأنه عند النفخة وذلك يعد المحاسبة ، أو دخول أهل الجنة الجنة والنار النار.
(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) موزونات عقائده وأعماله ، أي فمن كانت له عقائد وأعمال صالحة يكون لها وزن عند الله تعالى وقدر. (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الفائزون بالنجاة والدرجات.