فالأعراض المحتاجة إليه أولى بالإمكان ، فإذن العالم ممكن.
وأمّا الكبرى ، فلأنّ الممكن لا يترجح وجوده على عدمه [إ] لا (١) لمؤثر (٢) ، وذلك المؤثر يمتنع أن يكون موجبا ، لما تقدم أنّ كلّ عرض يصحّ ثبوته فانّه يصحّ ثبوته في آخر ، ونسبة الموجب المجرّد إلى كلّ الأجسام واحدة ، فلم يكن بأن يختص بعض الأجسام بقبول بعض الصفات منه أولى من الباقي ، فإمّا أن يجتمع كلّ الصفات المتضادة في كلّ واحد من الأجسام ، أو يخلو كلّ واحد منها عن كلّها ، وهو محال. فثبت أنّ المؤثر ليس بموجب فهو مختار ، وكلّ فعل لفاعل مختار فانّه محدث ، فالعالم محدث.
ولأنّ كلّ ممكن مفتقر إلى المؤثر بالضرورة ، وكلّ مفتقر إلى المؤثر محدث ، لأنّ افتقاره إليه يمتنع أن يكون حال بقائه لامتناع إيجاد الموجود ، فهو إمّا حال حدوثه أو حال قدمه ، وعلى كلّ تقدير يجب حدوثه.
فإن قيل : لا نسلّم أنّ العالم ممكن ، وجاز أن يكون وجوب الوجود وصفا سلبيا ، والأشياء (٣) الكثيرة يجوز أن تشرك في قيد سلبي ، فانّ كلّ ماهيتين بسيطتين اشركتا في سلب ما عداهما عنهما وهنا قد اشتركت الأشياء الكثيرة في قيد سلبي هو الوجوب وتختلف بتمام حقائقها ، فلا يلزم التركيب.
وإنّما قلنا : الوجوب سلبي ، لأنّه لو كان وجوديا لشارك باقي الموجودات في
__________________
(١) في النسخ : «لا» ، أصلحناها طبقا للمعنى.
(٢) راجع المطالب العالية ١ : ٧٤ (بيان انّ الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلّا لمرجح). وقال الطوسي : «هذا حكم أولى وإن كان قد يمكن للعقل أن يذهل عنه ويفزع إلى ضروب من البيان ، كما يفزع إلى التمثيل بكفّتي الميزان المتساويتين اللتين لا يمكن أن يترجح إحداهما على الأخرى من غير شيء ينضاف إليها». شرح الإشارات ٣ : ١٢١.
(٣) نهاية العقول : «فالأشياء».