للاستغناء حالة البقاء لا يقتضي كونها موجبة له حالة الحدوث لأنّ الفاعل هو السبب الأصلي القوي في الايجاد (١) بخلاف الأولوية فانّها لم يكن أن تكون معطية للوجود لضعفها فجاز اسناد الأثر الضعيف وهو الحفظ إليها. والأولوية كالوجوب فانّه حكم غير مستقل بنفسه ، بل قائم بالذات مع احتياج الذات إليه فانّ الذات ما لم تجب لم توجد.
والتحقيق أن نقول : إن كان النزاع في الصحّة الذاتية والإمكان الراجع إلى الماهية فهو غلط إلّا عند من يعتقد وجوب العالم لذاته ، وذلك مذهب ساقط قد بيّنا بطلانه ، واتّفقت البراهين القطعية والقوانين الفلسفية على إبطاله. وإن كان هو المنافي للوجوب بالغير فهو في محلّ التوقف عند أبي الحسين.
أمّا النظام فسيأتي بطلان كلامه.
وأمّا الفلاسفة فقد احتجوا على امتناع عدم العالم بوجوه : (٢)
الأوّل : العالم قديم على ما تقدم (٣) فيمتنع عدمه لامتناع عدم القديم.
الثاني : المؤثر في العالم موجب بالذات على ما يأتي وهو دائم الوجود ، لأنّه واجب الوجود لذاته ، ويلزم من دوام العلّة دوام المعلول.
الثالث : واجب الوجود علّة في العالم فلا يجوز فناء العالم لاستلزام عدم اللازم عدم الملزوم ، وإمكان عدم اللازم إمكان عدم الملزوم ، لكن عدم واجب الوجود محال لذاته فعدم العالم محال لذاته.
الرابع : الزمان لا يمكن عدمه ، وإلّا لكان عدمه بعد وجوده بالزمان فيكون
__________________
(١) «في الايجاد» ساقطة في ق.
(٢) مرّ بعض الوجوه في ص ١٣٦ (المسألة الثالثة في إبطال شبه الفلاسفة). راجع أيضا المطالب العالية ٤ : ٢٢١.
(٣) في ص ١٣٦.