الثامن : احتج جالينوس بأنّ العالم لو كان مما يفنى في المستقبل لظهر النقصان فيه بعد تطاول مدّة بقائه ، ولو كان كذلك لصارت الأفلاك والنجوم أصغر ممّا شاهدها القدماء من المنجمين ، ولمّا لم يكن كذلك علمنا أنّ العالم لا يفنى.
والجواب : نمنع قدم العالم ، وقد بيّنا حدوثه. ونمنع كون المؤثر موجبا لما يأتي. ولا يمكن ادعاء وجوب وجود العالم لذاته مع الحكم بأنّه معلول للواجب لذاته فانّه متناقض. والعالم إذا أخذ من حيث إنّه معلول للواجب لم يبق عدمه ممكنا فانتفى المحذور ، وإن أخذ من حيث هو هو لم يلزم من عدمه محذور أيضا إذا الواجب هنا لم يوجد من حيث إنّه علّة. وقد سبق الجواب عن الزمان والمادة. وسيأتي جواز الخرق على الأفلاك وقبولها للحركة المستقيمة إن شاء الله تعالى.
وكلام جالينوس في غاية السقوط فما يدريه تقدر العالم قبل ذلك ، والمنجم كيف يعلم ذلك إلّا على جهة التخمين والظن ، فلو نقص جزء لا يتجزأ في كلّ وقت لم يعلم المنجم ولا غيره ذلك ، فانّه من المعلوم أنّ القطعة الصغيرة من الياقوت وشبهه من الأجسام الصلبة وإن بقيت مدّة مديدة فانّه لا يظهر فيها نقصان محسوس مع أنّ الخشب وغيره قد يظهر في أقل من تلك المدّة نقصان ظاهر. وإذا كان كذلك فمن الجائز أن تكون نسبة الفلك في الصلابة إلى الياقوت كنسبة الياقوت إلى الخشب ، فإذا لم يظهر لحسّنا ما حصل من النقصان في القطعة الصغيرة فلئن لا يظهر لناما يحصل في الفلك من النقصان في القطعة الصغيرة مع غاية صلابته وعظمه وبعده عن أعيننا كان أولى. ثمّ ليس المنجم معلوم الصدق بحيث تبتني على قوله هذه القاعدة الحكميّة.
سلّمنا ، لكن إنّما يلزم ذلك لو قلنا : إنّه يعدم على وجه الذبول أمّا إذا لم يكن