المقدمة الأخرى لغوا (١).
الثاني : هذه الحجّة إن كانت تقتضي حدوث الأجسام ، لكنّها تقتضي قدمها ، وما يقتضي النقيضين يكون باطلا ، ولا يجوز الاستدلال به على ثبوت أحدهما ونفي الآخر.
بيانه أنّه : لو كانت استحالة خلو الجسم عن كلّ الحوادث تقتضي حدوثها ، وجب أن تكون استحالة اللّاخلو عن كلّ الحوادث تقتضي قدمها ، فانّ استحالة الخلو عن الكل تقابلها اللّااستحالة الخلو عن (٢) الكل ، والمقتضي لشيء يقتضي مقابله مقابل ذلك الشيء ، كالحرارة لمّا اقتضت السخونة اقتضت البرودة التبريد ، فكذا هنا لمّا كان امتناع الخلو عن الكل يقتضي الحدوث فامتناع اللّاخلو عن الكل وجب أن يكون مقتضيا للعدم ؛ لأنّ كلّ ما صدق عليه امتناع الخلو عن الكل صدق عليه امتناع اللّاخلو عن الكل فيلزم قدم الجسم وحدوثه معا ، فعلمنا أنّ هذا النظم باطل.
الوجه الثاني (٣) : ما يتعلق بالبحث عن محلّ النزاع وتلخيصه ، فنقول : إن سلمنا سلامة النظم عن الخلل ، لكنّا نقول : الاشتغال بالتدليل إنّما يكون بعد تحصيل (٤) حكم المسألة ، فلا بدّ من البحث عن معنى كون العالم محدثا حتى يمكن الشروع في الاستدلال. وإذا لخصنا محل النزاع علم امتناع القول بالحدوث لوجهين :
__________________
(١) راجع المطالب العالية ٤ : ٣١٠ ـ ٣١١.
(٢) في النسخ : «نفى» ، وهو خطأ. وما أثبتناه من نهاية العقول.
(٣) راجع المطالب العالية ٤ : ١٣.
(٤) نهاية العقول : «تلخيص».