الوجه الأوّل : لو قدرنا على جعل الجسم كائنا من غير واسطة معنى لقدرنا على ذات الجسم وسائر صفاته كالحياة والقدرة والسواد والبياض وغير ذلك ، والتالي باطل ، فالمقدم مثله.
بيان الشرطية : وجهان :
الأوّل : القادر إذا قدر على أن يجعل الذات على بعض الصفات فقد صارت الذات مقدورة له يتصرف فيها كيف شاء.
الثاني : القياس على الكلام ، فانّ من قدر على أن يجعل الكلام على صفة الخبر والأمر قدر على ذاته ، ولمّا لم يقدر على كلام غيره لم يقدر على جعله على صفة الخبر (١) ، ولا علة لذلك إلّا كونه قادرا على بعض صفاته.
والاعتراض : لا نسلّم أنّ من قدر على بعض الصفات قدر على الذات وباقي الصفات.
وما تعنون بصيرورة الذات مقدورة؟ إن عنيتم انّها صارت مقدورة من هذه الجهة كان ذلك إلزاما للشيء بنفسه ، ويصير بمنزلة قولكم : من قدر على الشيء على أن يجعله على بعض الصفات قدر على ذلك الشيء أن يجعله على بعض الصفات. (٢) وإن عنيتم انّه تصير مقدورة من جميع الجهات ثم ألزمتم من ذلك أن يقدر على جميع الصفات ، كنتم قد عللتم الشيء بنفسه ، ثمّ نطالبكم بالدلالة عليه.
سلّمنا ، لكن لم قلتم : إنّ كون الجسم كائنا صفة وليس بذات؟
لا يقال : إذا سلمتم كونه ذاتا سلمتم المسألة ؛ لأنّا لا نعني بالكون إلّا ذاتا
__________________
(١) والعبارة في نهاية العقول هكذا : «ولما لم نقدر على جعل كلام غيرنا خبرا لم نقدر على ذات الكلام».
(٢) أي صار الموضوع والمحمول واحدا.