ومقدورا للقادر ويوجد بالفاعل.
لأنّا نقول : لا نسلّم أنّه تسليم للمسألة ، فانّكم تثبتون الكون معنى موجبا لكون الجسم كائنا ، ونحن على هذا التقدير لا نسلّم لكم إلّا كونه كائنا من غير أن يكون موجبا لشيء أو موجبا عن شيء ، ولو سلم إطلاق اسم الذات عليه لكن هذا القدر لا يثبت لكم إثبات المعنى الموجب لكون الجسم كائنا.
لا يقال : لو كانت ذاتا لقبلت الاتصاف بالصفات.
لأنّا نقول : لا نسلّم أنّها لا تقبل الصفات ، فانّها توصف بالحسن والقبح وبكونها ثابتة للجسم. ولا نسلم أنّه ليس في الذوات ما يساوي الصفات في عدم قبول الصفات.
والقياس على الكلام باطل ، فانّا لا نسلّم أنّ الكلام ـ الذي هو الأصل (١) ـ ذات يصحّ أن يحدث على ما زعمتم أنّ الذات إذا حدثت ثبتت له صفة الوجود ، بخلاف الصفة إذا تجددت فانّه لا تثبت لها صفة الوجود.
لا يقال : الدليل لا يفتقر إلى أن يثبت للصوت معنى وذاتا ؛ لأنّ لنا أن نقول : إن كان الصوت صفة فانّه لا يقدر على جعله على حكم الخبر إلّا من قدر على تجديده ، والعلّة في ذلك انّه قدر على تجديد الأصل فلذلك قدر على تجديد الفرع. ولأنّه لو كان صفة فإمّا للذات وهو محال ، وإلّا لم يتجدد بحسب أحوال الفاعل ، ولو وجب اشتراك الأجسام كلّها فيها فسمع جميعها (٢) ، وإمّا للفاعل فكان لم يجز أن يتناول الإدراك للذات عليها ، لأنّ الإدراك يتناول الشيء على
__________________
(١) هكذا عبّر عنه النيسابوري ، حيث قال : «والأصل المردود إليه دلالتنا كلام الغير ...» التوحيد : ٣١.
(٢) لأنّ الصوت لو كان جسما لوجب أن يكون مثلا لسائر الأجسام ، لأنّ الأجسام كلّها متماثلة ، ولو كانت كذلك لوجب أن تكون الأجسام كلها مسموعة ، لأنّ تماثلها يقتضي اشتراكها في الصفة الأخص التي فيها الخلاف والوفاق. راجع المصدر نفسه : ٤٢.