منعنا أنّه بالفاعل ؛ لأنّ ما بالفاعل يمكنه أن لا يفعله فكان يلزم صحّة أن يقدر القادر على فعل القبيح وإن لم يفعل كونه مستحقا للذم ، وهو باطل. وإن عنيتم به الوجه الذي لأجله يثبت الاستحقاق ، وهو على ضربين :
أحدهما : أن يكون كذلك لما يرجع إليه ، وهو على ضربين أيضا :
أ. أن لا يعين (١) فيه إلّا ما يرجع إليه نحو كون الجهل جهلا (٢) ، فانّ ذلك عندهم ليس بالفاعل فانّ ذلك من صفات جنسه. وعندنا أنّ ذات الجهل يكون ذاتا بالفاعل فمتى تجدد كونه ذاتا وجهلا فقد تجدد حدوثها ، وليس تجدد كونها جهلا سوى حدوثها.
ب. أن تعين (٣) فيه أمور عدمية نحو كون الألم من غير جناية سابقة أو منفعة لاحقة ، فأمّا كون الألم ألما فذلك صفة جنسه ، وأمّا عدم الجناية والعوض فذلك أمور عدمية وذلك لا يمكن أن يكون بالفاعل.
وأمّا الثاني : وهو الذي يقبح لا لما يعود إلى الفعل بل لما يرجع إلى غرض الفاعل ، كالسجود للصنم ، فانّ جهة القبح كون هذا السجود أوجده الفاعل لأجل الصنم ، ومعناه أنّ غرض الفاعل في ذلك كان تعظيم الصنم ولا يفعل سوى ذلك.
فإن ادعيتم غيره فبيّنوه وأثبتوه بالدليل وكان غير معلل بالفاعل. فثبت أنّ وجه القبح غير معلل بالفاعل ، فلا يمكن قياس الكائنية عليه.
سلّمنا أنّ وجه القبح صفة للفعل ، ولكن لم قلتم : إنّها بالفاعل وأنّ ذلك ليس لكونه مريدا ، وإذا كان كذلك لم يمكن نسبة الكائنية التي هي بالفاعل ولا
__________________
(١) نهاية العقول : «يعتبر».
(٢) نهاية العقول : «الاعتقاد جهلا».
(٣) نهاية العقول : «تعتبر».