فلأنّه لو كان الله تعالى متقدما على العالم بالزمان لزم أن يكون الباري تعالى زمانيا ، وأن يكون الزمان زمانيا وهما محالان. أمّا الأوّل ، فلأنّ الزمان من لواحق التغير (١) والله تعالى يستحيل عليه التغير فلا يلحقه الزمان. وأمّا الثاني ، فلامتناع التسلسل.
وأمّا ثبوت القدم بتقدير ثبوته ، فلأنّه إذا كان هذا التقدم زمانيا ، ثمّ لا بداية لقدم (٢) الباري تعالى على العالم ، لزم أن لا تكون للزمان بداية ويلزم منه القدم.
هذا إذا سلّمتم انحصار التقدم في الخمسة. فإن ادّعيتم سادسا فاظهروه حتى يمكن الشروع بعده في الاستدلال.
لا يقال : الاستفسار عن معنى الحدوث استفسار عن حكم وقع الخلاف فيه ، فنحن ننفيه وأنتم تثبتونه ، والحكم على الشيء بالنفي أو الإثبات لا يصحّ إلّا بعد تصور ماهية ذلك الشيء وحقيقته ، وكان وقوع الخلاف مشعرا بكون محلّ الخلاف معلوما من الخصمين.
لأنّا نقول : وقوع الخلاف مشعر بكون محلّ الخلاف معلوما جملة أو تفصيلا؟ م ع (٣). بيانه : أنّ الذي يلزمنا معرفته أن نعرف مذهبنا وصحّته وبطلان ما عداه ، وإن كان ما عداه يحتمل تفاصيل كثيرة ، فلم يلزمنا معرفته. فإذا رمتم إثبات ذلك وكان الكلام في ذلك تعطيلا وسؤالا يختلف بحسب اختلاف التفصيل ، حسن منّا الاستفسار.
سلمنا أنّ وقوع الخلاف مشعر بكون محلّ الخلاف معلوما جملة وتفصيلا ، ولكن متى لا يصحّ الاستفسار إذا كان الغرض بالاستفسار مجرّد فائدة تعريف
__________________
(١) ق : «المتغير».
(٢) نهاية العقول : «لتقدم».
(٣) كذا في المخطوطة ولعلّ المعنى : كون محلّ الخلاف معلوما جملة ، مسلّم ، ووضع حرف «م» لتدل على كلمة مسلم وكونه تفصيلا ممنوع ، ووضع حرف «ع» لتدل على كلمة ممنوع.