وأمّا المحقّقون ، كأرسطو وأتباعه فانّهم منعوا هذا التعريف لاستلزامه الدور ؛ فانّ قولنا : «لا دفعة» لا يمكن معرفته إلّا بالدفعة ، والدفعة هي الحصول في الآن ، والآن عبارة عن طرف الزمان ، والزمان عبارة عن مقدار الحركة ، فينتهي تعريف الدفعة إلى الحركة ، فلو أخذناها في حدّ الحركة لزم الدور.
وكذا قولنا «يسيرا يسيرا» أو «على التدريج» فانّ كلّ ذلك لا يعرف إلّا بالزمان(١) الذي لا يعرف إلّا بالحركة.
وأجيب : بأنّ تصور حقيقة الدفعة واللادفعة والتدريج ويسيرا يسيرا بديهي ، لإعانة الحسّ عليها ، فأمّا أنّ هذه الأمور إنّما تعرف بسبب الآن والزمان فذلك هو المحتاج إلى البرهان ، فمن الجائز أن تعرّف الحركة بهذه الأمور ، ثمّ تجعل الحركة معرّفة للزمان والآن اللّذين هما سببا هذه الأمور الأوّلية التصور ، ولا دور حينئذ.
وهذا جيد (٢) ، لأنّ كلّ عاقل يعرف هذه المعاني وإن لم يخطر بباله شيء من كلمات الحكماء في الآن والزمان.
ولمّا أرسطو تعريف القدماء سلك نهجا آخر في التعريف (٣) ، فقال : الحركة ممكن الحصول للجسم ، وكلّ ما يمكن حصوله للجسم أو لغيره فانّ حصوله كمال له ، فالحركة إذن كمال لما يتحرك ، لكنّها تفارق سائر الكمالات من حيث إنّه لا حقيقة لها إلّا التأدّي إلى الغير والسلوك (٤) إليه ، وما كان كذلك
__________________
(١) فيقال : التدريج هو وقوع الشيء في زمان بعد زمان.
(٢) واستحسن الرازي أيضا هذا الجواب في المباحث ١ : ٦٧٠.
(٣) قال الشيخ بعد بيان الدور في التعريف السابق : «فاضطر مفيدنا هذه الصناعة إلى أن سلك في ذلك نهجا آخر ...» نفس المصدر من الشيخ.
(٤) في النسخ : «السكون» وما أثبتناه من المباحث.