فظهر أنّ الحركة كسائر الأعراض في أنّ لها وجودا في الآن وجودا في الزمان بالوجه الذي ذكرناه.
ففي قوله : «الحصول في الوسط كلّي ، وذلك لا يوجد في الأعيان» ، فنقول : ذلك التوسط إنّما تكون فيه كثرة عددية إذا كانت في المسافة كثرة عددية ، حتى يقال : الذي وجد في هذا الحدّ من المسافة غير الذي وجد في الحدّ الآخر لكن المسافة متصل واحد ، فلا تكون القطوع والحدود فيه واجبة الحصول ، فإذا لم تحصل لم تكن هناك إلّا مسافة واحدة ، فلا يكون ذلك التوسط بين ذلك المبدأ وذلك المنتهى لذلك المتحرك في ذلك الزمان في النوع الواحد إلّا أمرا واحدا بالعدد ، لأنّ الجزئي ما يمنع نفس مفهومه الشركة ، فهو إذن جزئي. (١) وإمكان فرض الأجزاء فيه لا يجعله كليا ، فإنّ إمكان فرض الأجزاء في الشيء لا يجعله كليا ، كالخط يمكن فرض أجزاء كثيرة فيه مع تشخصه ، بل المعتبر في كلية الشيء إمكان فرض الجزئيات.
واعلم أنّ هذا الكلام تصريح من الشيخ بأنّ الحركة المفتقرة إلى مطابقة الزمان ليس موجودة في الخارج ، بل في الذهن ، وأنّ الحركة الموجودة في الخارج آنية ، وإن كانت لا توجد إلّا في زمان لا على معنى مطابقتها للزمان ، بل انّها لا توجد إلّا وأن يسبقها زمان.
واعترض (٢) ، بأنّ ما لا وجود له في الخارج بل في الذهن كيف يتقدر بالزمان الموجود في الأعيان؟ بل الحركة عند الشيخ محلّ للزمان وعلّته ، وكيف يمكن أن يكون المعدوم محلا للموجود وعلّة له؟ اللهمّ إلّا أن يقال : الزمان لا وجود له في
__________________
(١) ونفس مفهوم التوسط المذكور مع وحدة الموضوع والزمان وما فيه وما إليه بالعدد يمنع من وقوع الشركة فيه ، فهو إذن أمر جزئي. المباحث المشرقية ١ : ٦٧٥.
(٢) ذكره الرازي في المباحث ١ : ٦٧٣ ـ ٦٧٤.