أمر مقدر مفروض في الذهن لا حقيقة له في الخارج. وإذا لم تكن الحركة ثبوتية لم يكن السكون ثبوتيا ، إذ لا فرق بينهما إلّا بالدوام وعدمه ، فانّ الحصول في الحيّز إن استقر كان سكونا وإلّا فحركة. فإذا كانت الحركة عدمية كان السكون المساوي لها في تمام الحقيقة عدميا.
سلمنا أنّ الكائنية زائدة على ذات الجسم ، لكن نمنع عدم الخلو.
قوله : «الجسم متى كان موجودا كان متحيزا ، وإذا كان متحيزا كان حاصلا في الحيز».
قلنا : لا نسلم أنّه إذا كان موجودا كان متحيزا ، فلم لا يجوز أن يقال : الأجسام كانت في الأزل خالية عن صفة التحيز ثمّ اتصفت به فيما لا يزال ، كما هو رأي افلاطون؟ وتدل عليه وجوه ثلاثة :
الأوّل : قد بيّنا نفي الجوهر الفرد ، فيكون الجسم البسيط في نفسه واحدا ، ومعلوم أنّه قابل للانفصال والقابل للانفصال ليس الاتصال ، لاستحالة بقائه معه والقابل باق مع المقبول فهو شيء غير الاتصال الذي هو الجسمية ، فللجسمية قابل هو الهيولى ، فالجسم مركب من الجسمية والهيولى (١). ثمّ الجسمية لمّا كانت حالّة في الهيولى كانت محتاجة إليها ؛ لاحتياج الحالّ إلى المحل فيمتنع احتياج الهيولى إليها ، وإلّا دار. وإذا استغنت الهيولى عن الجسمية أمكن خلوها عنها. فثبت أنّ للمتحيزات هيولى غير متحيزة يمكن انفكاكها عن التحيز (٢).
الثاني : دليلكم على حدوث الأجسام يدلّ على حدوث المتحيزات ، وكلّ محدث فانّه مسبوق بإمكان حدوثه ، وليس الإمكان عائدا إلى القادر ؛ لأنّ القادر
__________________
(١) أنظر البرهان في المباحث المشرقية ٢ : ٤٦ (في أنّ الجسم مركّب عن الهيولى والصورة) ؛ شرح المقاصد ٣ : ٥٣.
(٢) راجع نقد المحصل : ١٨٨.