ولا شيء من المعين بلازم للجسم فلا شيء من الكائنيات الموجودة في الخارج بلازم للجسم. وأمّا المبهم الذي لا وجود له في الخارج فليس بلازم للجسم في الخارج وإلّا لكان موجودا في الخارج. فإذن لا شيء من الكائنيات بلازم في الخارج ، بل في الذهن.
لا يقال : الكائنية من حيث هي كائنية لها مفهوم مشترك بين الكائنيات الجزئية ، وذلك المفهوم المشترك هو اللازم للجسم.
لأنّا نقول : ذلك المشترك من حيث هو لا يوجد إلّا في الذهن ، لكنّا بيّنا أنّ ما كان كذلك يمتنع أن يكون لازما للجسم.
الثاني : الجسم وكائنيته ليس أحدهما علة للآخر ، لامتناع كون الجسم علّة ، وإلّا لكان علّة لكائنية معيّنة ؛ لأنّ الجسم معيّن فلا يقتضي مبهما. ويلزم منه اشتراك الأجسام في الحصول في ذلك الحيز. وإن فرضت الكائنية علّة للجسم كان وصف الشيء المحتاج إليه الذي لا يعقل قيامه إلّا به علّة متقدمة عليه مع تأخره عنه ، هذا خلف.
ثمّ إنّ الجسم شرط الكائنية لأنّه محلّها ، فالكائنية ليست شرطا له ، لامتناع الدور. فالكائنية إذن ليست علّة للجوهر ولا معلولة له ولا شرط فيه (١) ، فجاز خلو الجوهر عنها.
ثمّ إن سلّمنا أنّ الجسم لا يخلو عن الكائنية ، لكن لا نسلّم أنّ الكائنية حادثة.
قوله : «كلّ جسم يصحّ خروجه عن حيزه» (٢).
__________________
(١) نهاية العقول : «له».
(٢) وقد ذكر الرازي في تقريره دلائل كثيرة في المطالب العالية ٤ : ٢٩٢.