ثمّ عوّل أفضل المتأخرين على الحجّة الأولى (١). وأجاب عن ورودها في الكيف : أنّ كلّ واحدة من تلك الكيفيات المتعاقبة تبقى زمانا ويكون السلوك من البياض إلى السواد وإن كان في الحس مستمرا إلّا أنّه في الحقيقة ليس كذلك ، بل هناك توقفات وانتقالات (٢) ، حيث لم يقم برهان قاطع على أنّ ذلك السلوك مستمر في نفس الأمر وإنّما الاعتماد على الحس. والسلوك المستمر حسا لا يمنع من وجود توقفات في أزمنة صغيرة جدا خصوصا والزمان يقبل انقسامات غير متناهية.
ولما أبطل الشيخ الشعاع بحجة حكاها عمّن تقدمه وهي : أنّه كان يجب أن تكون نسبة زمان حركة الشعاع إلى شيء على بعد ذراع (٣) إلى زمان حركته إلى الكواكب الثابتة نسبة المسافتين ، فكان يظهر بين الزمانين تفاوت محسوس.
واعترضها بإمكان فرض زمان غير محسوس قصرا تحصل فيه الحركة الشعاعية ثمّ يمكن أن يقسم هذا الزمان إلى ما لا يتناهى فيوجد فيه ما نسبته إليه نسبة المسافة القصيرة إلى البعيدة ومع ذلك يكون الزمان للعظيم والصغير غير محسوسين قصرا. (٤)
وحينئذ لا يمكن الاستدلال بالسلوك المستمر حسا على أنّ ذلك السلوك يستمر في الحقيقة ، بل لو لم يلزم على الحركة الكيفية شيء من المحالات لكان من الواجب عليهم عدم الجزم بوجودها تعويلا منهم على الاستمرار الحسي بعد اعتقادهم أنّ الزمان غير المحسوس يمكن انقسامه إلى الحدّ الذي قالوه ، فانّه لو حصل التوقّف في جزء من ألف جزء من ذلك الزمان الغير المحسوس لم يكن
__________________
(١) وهي : أنّ المادة لو تحركت في صورتها الجوهرية لزم منه تتالي الآنات. ولا شكّ أنّ هذه الحجة بعينها قائمة في الحركة في الكيف. راجع المباحث المشرقية ١ : ٧٠٩.
(٢) في النسخ : «انقلابات» ، وما أثبتناه من المصدر.
(٣) في الشفاء : ذراعين.
(٤) طبيعيات الشفاء ، الفصل الخامس من المقالة الثالثة من كتاب النفس.