مفارقة المحرك القاسر فللحركة القسرية علّة غيرها (١) ، وإن بقيتا فالكلام في احتياجهما إلى العلّة كالكلام في نفس الحركة القسرية.
ومن قال الهواء للطافته يندفع أسرع فينجذب الجسم المدفوع فيه ، فقد أخطأ لوجهين:
الوجه الأوّل : أنّ حركة الهواء لو كانت أسرع من حركة السهم كان نفوذه في الحائط أشد من نفوذ السهم فيه ، والتالي باطل بالوجدان. ولأنّ الهواء تدفعه الأجسام القائمة في وجهها ، وأمّا السهم فقد نفذ.
لا يقال : السبب في ذلك النفوذ أنّ الذي يلي نصل السهم قد ضعف والذي يلي فوقه بعد على قوته.
لأنّا نقول : يلزم أن يكون السهم أسبق من الهواء ، لكن الهواء أسبق منه عندهم. وأيضا فلو كان السهم أسبق من الهواء لم يكن المنفذ له في الحائط الهواء الذي قدامه وهم لا يقولون بأنّ الهواء الذي خلفه يدفعه ، فلعلّ السبب فيه أنّ السهم يجذب الهواء الذي خلفه ثمّ ذلك الهواء المنجذب يدفعه دفعا أقوى من ذلك الجذب وحينئذ يكون المجذوب أشدّ انجذابا من الجاذب الملازم ، وهو محال.
الوجه الثاني : الهواء إنّما يمانع الثقال المحمولة (٢) فيه عن الرسوب بحركة شديدة يصير بها مقاوما لخرق الثقل ، والرياح إذا هبت على أغصان الشجرة هشّمتها مع أنّها (٣) لا تحمل السهم لو وضع فيها ، فالهواء الذي ينقل الحجر الكبير إذا كان اجتيازه (٤) بقرب الأجسام الصغار لزم أن يكسرها ، ولمّا لم يكن
__________________
(١) في المباحث : «غيرهما».
(٢) في النسخ : «المجموعة» ، وما أثبتناه من الشفاء : ٣٢٧.
(٣) في النسخ : «أنّه» ، أصلحناها طبقا للسياق.
(٤) في الشفاء : «اختباره».