الآخر كانت مدّة وجود أحدهما مساوية لمدة وجود الآخر ، فإذا كانت مدّة وجود أحدهما متناهية كانت مدّة الآخر كذلك ، ولكن لا يلزم من التلازم كون كلّ واحد من المتلازمين مساويا في حقيقته وماهيته للآخر ، فظهر الفرق.
وهنا سؤال مشكل وهو أن يقال : إن أردتم بالحوادث الأمور الشخصية منعنا صدق الصغرى لانّها قد (١) تخلو عن الأشخاص. وإن أردتم نوعها فلا نسلّم حدوثه. والحاصل أنّ الذي لا ينفك الجسم عنه هو نوع الحوادث وذلك قديم ، والحوادث إنّما هي الشخصية والأجسام تنفك عنها.
والجواب أن نقول : قدم النوع يستلزم قدم شخص ، فالاستحالة وجود النوع في الخارج منفكا عن شخص ، لكن كلّ شخص حادث ولا شيء من الأشخاص بقديم فلا شيء من النوع بقديم.
قال أفضل المحقّقين : «الدليل الذي اعتمد عليه الجمهور من المتكلّمين في هذه المسألة يحتاج إلى إقامة حجّة على دعوى واحدة من الدعاوي الأربع المذكورة وهي امتناع وجود حوادث (٢) لا أوّل لها في جانب الماضي ، فنورد أوّلا ما قيل فيه وعليه ، ثمّ أذكر ما عندي فيه ، فأقول : الأوائل قالوا في وجوب تناهي الحوادث الماضية : إنّه لمّا كان كلّ واحد منها حادثا كان الكلّ حادثا.
واعترض عليه بأنّ حكم الكل (٣) ربما يخالف الحكم على الآحاد ، ثمّ قالوا : الحوادث الماضية تتطرق إليها الزيادة والنقصان ، فتكون متناهية. وعورض بمعلومات الله تعالى ومقدوراته ، فانّ الأولى أكثر من الثانية مع عدم تناهيهما.
ثمّ قال المحصلون منهم : الحوادث الماضية إذا أخذت تارة مبتدئة من الآن
__________________
(١) ق : «لا».
(٢) ق : «الحوادث».
(٣) ق : «الحكم على الكل».