بغداد ، اشتهر عنه أنه أورد إشكالا على الفقهاء في جعلهم نصاب السرقة ربع دينار ، ونظم في ذلك شعرا دل على جهله وقلة عقله ، فقال : [البسيط]
يد بخمس مئين عسجد وديت |
|
ما بالها قطعت في ربع دينار |
تناقض ما لنا إلا السكوت له |
|
وأن نعوذ بمولانا من النار |
ولما قال ذلك واشتهر عنه تطلبه الفقهاء فهرب منهم ، وقد أجابه الناس في ذلك ، فكان جواب القاضي عبد الوهاب المالكي رحمهالله أن قال : لما كانت أمينة ، كانت ثمينة ، ولما خانت هانت. ومنهم من قال : هذا من تمام الحكمة والمصلحة وأسرار الشريعة العظيمة ، فإن في باب الجنايات ناسب أن تعظم قيمة اليد بخمسمائة دينار لئلا يجنى عليها. وفي باب السرقة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار ، لئلا يسارع الناس في سرقة الأموال ، فهذا هو عين الحكمة عند ذوي الألباب ولهذا قال : (جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي مجازاة على صنيعهما السيئ في أخذهما أموال الناس بأيديهم ، فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك نكالا من الله ، أي تنكيلا من الله بهما على ارتكاب ذلك ، (وَاللهُ عَزِيزٌ) أي في انتقامه ، (حَكِيمٌ) أي في أمره ونهيه وشرعه وقدره.
ثم قال تعالى : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي من تاب بعد سرقته وأناب إلى الله فإن الله يتوب عليه فما بينه وبينه ، فأما أموال الناس فلا بد من ردها إليهم أو بدلها عند الجمهور ، وقال أبو حنيفة : متى قطع وقد تلفت في يده فإنه لا يرد بدلها ، وقد روى الحافظ أبو الحسن الدار قطني من حديث ... عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتي بسارق قد سرق شملة ، فقال : ما إخاله سرق ، فقال السارق : بلى يا رسول الله. قال «اذهبوا به فاقطعوه ، ثم احسموه ، ثم ائتوني به» فقطع فأتي به فقال «تب إلى الله» فقال : تبت إلى الله ، فقال «تاب الله عليك». وقد روي من وجه آخر مرسلا ، ورجح إرساله علي بن المديني وابن خزيمة رحمهماالله.
وروى ابن ماجة (١) من حديث ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الرحمن بن ثعلبة الأنصاري ، عن أبيه أن عمر بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس ، جاء إلى النبيصلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، إني سرقت جملا لبني فلان ، فطهرني فأرسل إليهم النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إنا افتقدنا جملا لنا ، فأمر به فقطعت يده وهو يقول : الحمد لله الذي طهرني منك ، أردت أن تدخلي جسدي النار.
وقال ابن جرير (٢) : حدثنا أبو كريب ، حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ابن لهيعة عن يحيى بن
__________________
(١) سنن ابن ماجة (حدود باب ٢٤)
(٢) تفسير الطبري ٤ / ٥٧١.