قال : لأنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم آخى بين أصحابه ، فذكر حديث سعد ، وعبد الرحمن.
فقلت : قد جعلتك في حلّ من كلّ ما تقول ، ووهبتك المال الّذي عرضته عليّ ، عنيت المناصفة ، وذلك أنّه قال : لي جوار وامرأة وأنت عزب ، فالّذي يجب عليّ أن أنا صفك لنستوي في المال وغيره ، وأربح عليك في ذلك.
فقلت له : قد فعلت ، رحمك الله ، أكثر من ذلك ، إذ أنزلتني من نفسك ما لم تنزل أحدا ، وصلت منك محلّ الولد.
ثمّ حفظ عليّ حديثي الأوّل ، وقال : ما حاجتك؟
قلت : تقضيها؟
قال : نعم وأسرّ بذلك.
قلت : هذه الألف تأمر بقبوله وتصرفه في بعض ما تحتاج إليه فقبله ، وذلك أنّه ضمن إجابة قضاء حاجتي.
ثمّ جلسنا بعد ذلك بيومين لتصنيف «الجامع» وكتبنا منه ذلك اليوم شيئا كثيرا إلى الظّهر. ثمّ صلّينا الظّهر ، وأقبلنا على الكتابة من غير أن نكون أكلنا شيئا. فرآني لمّا كان العصر شبه القلق المستوحش ، فتوهّم فيّ ملالا ، وإنّما كان بي الحصر ، غير أنّي لم أقدر على القيام ، فكنت أتلوّى اهتماما بالحصر. فدخل أبو عبد الله المنزل ، وأخرج إليّ ، كاغدة فيها ثلاثمائة درهم ، وقال : أمّا إذ لم تقبل ثمن المنزل فينبغي أن تصرف هذا في بعض حوائجك.
فجهد بي ، فلم أقبل ، ثمّ كان بعد أيّام كتبنا إلى الظّهر أيضا ، فناولني عشرين درهما وقال : اصرفها في شري الحصر. فاشتريت بها ما كنت أعلم أنّه يلائمه ، وبعثت به إليه ، وأتيت فقال : بيّض الله وجهك ليس فيك حيلة. فلا ينبغي أن نعنّي أنفسنا.
فقلت : إنّك قد جمعت خير الدّنيا والآخرة فأيّ رجل يبرّ خادمه بما تبرّني (١)؟
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٥١ ، ٤٥٢ وفيه تتمة : «إن كنت لا أعرف هذا ، فلست أعرف أكثر منه».