القرآن المتلوّ المثبت في [المصاحف ، المسطور] (١) المكتوب الموعى في القلوب ، فهو كلام الله ليس بمخلوق. قال الله تعالى : (هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (٢).
وقال : يقال فلان حسن القراءة ورديء القراءة. ولا يقال : حسن القرآن ، ولا رديء القرآن. وإنّما ينسب إلى العباد القراءة ، لأنّ القرآن كلام الرّبّ ، والقراءة فعل العبد. وليس لأحد أن يشرع في أمر الله بغير علم ، كما زعم بعضهم أنّ القرآن بألفاظنا وألفاظنا به شيء واحد. والتّلاوة هي المتلوّ ، والقراءة هي المقرئ.
فقيل له : إنّ القراءة فعل القارئ وعمل التّالي.
فرجع وقال : ظننتهما مصدرين. فقيل له : هلّا أمسكت كما أمسك كثير من أصحابك؟ ولو بعثت إلى من كتب عنك واسترددت ما أثبتّ وضربت عليه.
فزعم أن كيف يمكن هذا؟ وقال : قلت ومضى قولي.
فقيل له : كيف جاز لك أن تقول في الله شيئا لا تقوم به شرحا وبيانا؟ إذ لم تميّز بين التّلاوة والمتلوّ.
فسكت إذ لم يكن عنده جواب.
وقال أبو حامد الأعمش : رأيت البخاريّ في جنازة سعيد بن مروان ، والذّهليّ يسأله عن الأسماء والكنى والعلل ، ويمرّ فيه البخاريّ مثل السّهم ، فما أتى على هذا شهر حتّى قال الذّهليّ : ألا من يختلف إلى مجلسه فلا يأتنا. فإنّهم كتبوا إلينا من بغداد أنّه تكلّم في اللّفظ ، ونهيناه فلم ينته فلا تقربوه.
فأقام البخاريّ مدّة وخرج إلى بخارى (٣).
قال أبو حامد بن الشّرقي : سمعت محمد بن يحيى الذّهليّ يقول : القرآن كلام الله غير مخلوق من جميع جهاته وحيث تصرّف. فمن لزم هذا استغنى عن اللّفظ. ومن زعم أنّ القرآن مخلوق فقد كفر وبانت منه امرأته.
__________________
(١) في الأصل بياض ، والمستدرك من : تاريخ بغداد.
(٢) سورة العنكبوت ، الآية ٤٩.
(٣) تاريخ بغداد ، تهذيب الأسماء واللغات ج ١ ق ١ / ٦٩ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٥٥ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٩.