تريدين كيما تجمعيني وخالدا |
|
وهل يجمع السّيفان ـ ويحك ـ في غمد؟ |
وكان المهتدي بالله أسمر رقيقا ، مليح الوجه ، ورعا ، متعبّدا ، عادلا ، قويّا في أمر الله ، رجلا شجاعا ، لكنّه لم يجد ناصرا ولا معينا على الخير.
قال أبو بكر الخطيب (١) : قال أبو موسى العبّاسيّ : لم يزل صائما منذ ولي إلى أن قتل.
قال أبو العبّاس هاشم بن القاسم : كنت بحضرة المهتدي عشيّة في رمضان ، فوثبت لأنصرف ، فقال لي : اجلس فجلست. فتقدّم فصلّى بنا ، ودعا بالطّعام. فأحضر طبق خلاف (٢) وعليه من الخبز النّقيّ ، وفيه آنية فيها ملح وخلّ وزيت. فدعاني إلى الأكل ، فابتدأت آكل ظانّا أنّه سيوفّي بطعام. فنظر إليّ وقال : ألم تكن صائما؟ قلت : بلى. قال : أفلست عازما على الصّوم؟ قلت : بلى ، كيف لا وهو رمضان. قال : فكل واستوف ، فليس هاهنا من الطعام غير ما ترى.
فعجبت ثمّ قلت : ولم يا أمير المؤمنين؟ قد أسبغ الله نعمته عليك. فقال : إنّ الأمر لعلى ما وصفت ، ولكني فكّرت في أنّه كان في بني أميّة عمر بن عبد العزيز ، وكان من التّقلّل والتّقشّف على ما بلغك. فغرت على بني هاشم ، فأخذت نفسي بما رأيت (٣).
وقال ابن أبي الدّنيا : ثنا أبو النّضر المروزيّ : قال لي جعفر بن عبد الواحد : ذاكرت [المهتدي] (٤) بشيء ، فقلت له : كان أحمد بن حنبل يقول به ، ولكنّه كان يخالف. كأنّي أشرت إلى [من مضى] (٥) من آبائه.
فقال : رحم الله أحمد بن حنبل ، والله لو جاز لي أن أتبرأ من أبي لتبرّأت منه. ثمّ قال لي : تكلّم بالحقّ وقل به ، فإنّ الرجل ليتكلّم بالحقّ فينبل في عيني (٦).
__________________
(١) في تاريخ بغداد ٣ / ٣٤٩.
(٢) الخلاف : صنف من الصفصاف ومن عيدانه تعمل الأطباق.
(٣) تاريخ بغداد ٣ / ٣٥٠ ، الفخري ٢٤٦.
(٤) في الأصل بياض ، والمستدرك من : تاريخ الخلفاء للسيوطي ٣٦١.
(٥) في الأصل بياض ، والمستدرك من : تاريخ الخلفاء.
(٦) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٥٣٧.