«أي» الأمر «المختلف فيه» هو «من بعد ما جاءتهم البيّنات من نصوص تلك الكتب وأماراتها الدّالة على أعيان الأحكام» (١).
والمعنى : أنّ الاختلاف وقع من بعد إنزال الكتب ، وهي إنّما أنزلت لإزاحة الاختلاف فعكسوا وجعلوا إنزال الكتب سببا للاختلاف.
فقال تعالى : (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي لأجل البغي من بعضهم «لمّا كان الحق مع بعضهم فبغي عليهم» بالبناء للمفعول أي بغي على ذلك البعض الذي الحقّ معهم «بالمخالفة والشّقاق لهم» حسدا «بعد ما عرف» بالبناء للمفعول أيضا «أنّ الحق» الذي أمر الله به «بأيديهم» أي بأيدي ذلك البعض المبغي عليهم.
«إمّا» أن يكون عرف ذلك «بما ذكرنا من النصوص والأمارات التي في الكتب المنزلة أنّ الحق بأيدي ذلك البعض ، وإمّا بالنص على أنّ ذلك البعض» الذي بغي عليه بالمخالفة والشقاق «هو الموفّق لإصابة الحق» وذلك نحو ما ورد في عترة النبيء صلىاللهعليهوآلهوسلم وذلك من نحو قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ..) الآية (٢).
«وقوله» صلىاللهعليهوآلهوسلم «إنّي تارك فيكم ... الخبر» تمامه «ما إنّ تمسّكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».
وإنما اختصّ ذلك البعض بتوفيق الله لهم «حيث نور قلوبهم لمّا أطاعوه» بامتثال أوامره والانتهاء عن مناهيه فزادهم الله هدى لقوله تعالى : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) «كما مرّ» «وذلك» أي التوفيق لإصابة الحق هو «معنى قوله تعالى» : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِ) أي نوّر قلوبهم ففهموا الحق الذي وقع الاختلاف فيه «بإذنه» أي بإرادته وهدايته لهم ، ففي هذه الآية الكريمة دليل على أن الحق الذي أمر
__________________
(١) (ض) أعيان تلك الأحكام.
(٢) الأحزاب (٣٣).