يزعم أنه يرى الله لاستعديت عليه (١). وسئل أبو العالية : هل رأى محمد ربّه؟ فقال : لا (٢). وعن الحسن البصري أنه قال : لا يرى الله أحد في الدنيا ولا في الآخرة. وعلى الجملة فذلك مما انعقد عليه إجماع الصحابة. وهو مذهب جميع علماء أهل البيت المطهّرين. وهو قول جميع العلماء الراشدين الذين يقضون بالحق وبه يعدلون ، فهذا هو الوجه الأول.
والوجه الثاني : أن نتكلم في معاني ما استدلوا به من الآيات والسّنّة ، فإنّ ظاهر ذلك يخالف دليل العقل ومحكم القرآن ؛ فلو دلّ على صحّة قولهم لوجب تأويله على ما يوافق الأدلّة ، كيف وبعضه لا يدلّ على ذلك بوجه من الوجوه ، وبعضه لا يصح الاستدلال به ، ونحن نوردها شيئا شيئا ، ونتكلم عليها ، ونبيّن صحّة الصحيح من معانيها ، وفساد الفساد بمنّ الله وعونه ، فنقول : أما قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢ ـ ٢٣] ، فقد تكلّمنا فيها في كتاب الإرشاد في ثلاثة مطالب : أحدها في معنى النظر في اللغة وأقسامه ، وثانيها في الدلالة على أنّه لا يجوز أن يكون حقيقة في الرؤية. وثالثها في بيان معنى النظر في الآية وذكر ما ورد فيه عن علماء الصحابة والتابعين (رض) أجمعين.
والغرض الاختصار هاهنا فلنقصد إلى الغرض من ذلك وهو المطلب الثالث بعد ذكر طرف مما يدل على أنه لا يجوز حمله على الرؤية. فأما الذي يدل على أنه لا يجوز حمل النظر هاهنا على الرؤية فوجوه : منها أنّه مخالف لدليل
__________________
(١) المغني ٤ / ٢٢٩.
(٢) أخرج الطبرسي في مجمع البيان مج ٩ ج ٢٧ ص ٢٩١ ، عن أبي العالية قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : هل رأيت ربّك ليلة المعراج؟ قال : لا. رأيت نهرا ، ورأيت وراء النهر حجابا ، ورأيت وراء الحجاب نورا ، ولم أر غير ذلك.