عليه ـ قيل : قدريّ. والقياس مطرد ؛ فإن قيل : إنا ننسب العدلية إلى ذلك لقولهم بالقدرة ، فيجب أن يكونوا هم القدرية ـ قلنا : إنّ ذلك لا يصح من طريق اللّغة ، فإنّ النّسبة إلى القدرة قدريّ ـ بضم القاف ، وسكون الدّال ـ بخلاف النّسبة إلى القدر فإنها بفتح القاف والدال ، فوجب أن يكونوا بذلك أولى.
فإن قيل : إنّ العدلية بذلك أولى ؛ لأنهم يقولون : إنهم يقدّرون أفعالهم ـ قلنا : إن ذلك لا يصح ، فإن الله تعالى قد وصف بعض خلقه بمثل مذهب العدلية ، فقال تعالى : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) [المدثر : ١٨ ـ ٢٠] ، وهو تعالى لا يكذب ؛ لأنّ الكذب قبيح ، وهو لا يفعل القبيح على ما مضى. والموصوف بهذه الآية هو الوليد بن المغيرة (١). فقوله : (فَكَّرَ) أي نظر ، (وَقَدَّرَ) ما يقول في القرآن (فَقُتِلَ) أي عذّب ولعن. وكرّر ذلك لكثرة تقديرات الوليد لعنه الله. ثم إنّا نقول : لو كان هذا الاسم يلزم العدلية لقولهم : بأنّهم يقدّرون أفعالهم ـ لوجب اطّراد ذلك ، فكان يلزم أن يقال في الله تعالى : مثل ذلك ؛ لأنه تعالى وصف أفعاله بمثل ما وصفت به العدلية أفعالهم ، قال تعالى : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) [فصلت : ١٠] أي خلق. ومعلوم خلاف ذلك.
فبطل بذلك جميع ما تعترض به الجبرية الحشوية ، وصحّ أنهم القدرية دون العدلية ، والحمد لله وحده ، وثبت بذلك الفصل الأول وهو في القضاء والقدر.
__________________
(١) من بني مخزوم ، ولد سنة ٩٥ قبل الهجرة وهو من زعماء قريش أدرك الإسلام وهو شيخ هرم ، فعاداه ، وقال : إن الناس يأتونكم في الحج فيسألونكم عن محمد فتختلف أقوالكم فيه ، فيقول : هذا كاهن ، ويقول : هذا شاعر ، ويقول : هذا مجنون ، وليس يشبه واحدا مما تقولون ، ولكن أصلح ما قيل فيه : ساحر ؛ لأنه يفرق بين المرء وأخيه ، والزوج وزوجه. وهو والد خالد بن الوليد مات كافرا في السنة الأولى من الهجرة. ينظر الأعلام : ٨ / ١٢٢.