ومنها ما لا يصح أن يفعله الله تعالى بأحد من المكلفين ؛ وهو ما تقدم ذكره من التّزيين للباطل ، والتلبيس للحق ونحو ذلك ، لأنّ ذلك قبيح ، وقد ثبت أنه تعالى لا يفعل القبيح. ولا يصح أن يقال : إنّ من جملة معاني الضلال هو خلق الكفر والجهل في الناس حتّى يكونوا بذلك ضالّين ؛ لأنّ ذلك لم يوجد في اللغة العربية. وعلى أنه لو وجد فيها فإنه تعالى لا يصحّ أن يفعل ذلك ، من حيث إنّ ذلك قبيح ، وهو تعالى لا يفعل القبيح على ما تقدم بيانه. فهذا هو كيفية إضافته إلى الله تعالى (١).
وأما كيفية حمل ما في القرآن من ذلك ـ فاعلم أنه يجب حمل ما في القرآن من ذلك ومن جميع الآيات المتشابهة على ما يوافق أدلة العقول ، ومحكم القرآن ؛ لأن الأصل هو دلالة العقل ، ولو لا ها لما عرف كون القرآن حجّة يجب اتّباعها ، بل لا يعرف الصانع تعالى إلا بدلالة العقل ؛ كيف بمعرفة فعل من أفعاله وهو القرآن ، فكذلك يجب حمل ما فيه على موافقة أدلة العقول ، فيجب حمل ما في القرآن منسوبا إلى الله تعالى على الهلاك والعقاب للكفار والفساق ، وبمعنى التّسمية والحكم ، كما قال تعالى : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ).
وكما قال تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) [الأنعام : ١٢٥] معناه من يرد الله أن يعاقبه جزاء على عمله للمعاصي يجعل صدره ضيّقا بما يورد عليه من الأسباب والأحوال الموجبة لضيق صدره حتى يصير من ضيقه ممتنعا من الصبر لشدة الضيق ، (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ
__________________
المصون قراءة القدرية والمعتزلة [١ / ٢٢٣]. والرازي مج ١ ج ٢ ص ١٥٣ وما بعدها. أقول : ولو كان الإضلال من الله لعباده لكان الله سبحانه أولى باللوم من العبد الذي لا حول له تعالى الله عن ذلك.
(١) ينظر الرازي مج ١ ج ٢ ص ١٥٢ فقد أتى بما يشفي ، ومتشابه القرآن ق ١ ص ٦٦.