وأما الموضع الثاني :
وهو في كيفية إضافته إلى الله تعالى وكيفية حمل ما في القرآن من ذلك فاعلم أنّ الضلال على ضروب :
منها ما يصح أن يفعله الله تعالى بالجميع ، وهو الضلال بمعنى الهلاك والذهاب والتقطيع ؛ فإنه لا بدّ من إماتة كل مخلوق لقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥] ، ولا بدّ بعد ذلك من الذهاب والتقطيع والعدم لقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] أي كل شيء فان إلّا ذاته (١). ولأنّ ذلك معلوم من دين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ضرورة.
ومنها ما يفعله الله تعالى ببعض المكلفين دون بعض ، وهو الضلال بمعنى العقاب وما أشبهه ؛ فإنه تعالى إنما يفعل ذلك ؛ بمن يستحقه من العصاة دون من لا يستحقه ؛ لأن العقاب لمن لا يستحقه يكون قبيحا على ما يأتي بيانه ، وهو تعالى لا يفعل القبيح على ما مضى بيانه. ومن ذلك قوله تعالى : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) [إبراهيم : ٢٧]. (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) [البقرة : ٢٦]. ونحو ذلك (٢).
__________________
(١) غريب القرآن للإمام زيد ص ٢٤٤ ، وقال : معناه إلا هو ، ويقال : ما أريد به وجهه من الأعمال الصالحة ، وهو قول مجاهد كما في الدر المنثور ٥ / ٢٦٧. والكشاف ٣ / ٤٣٧.
(٢) أول الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ ...) الآية ، قال الزمخشري : وإسناد الضلال إلى الله تعالى إسناد الفعل إلى السبب ؛ لأنه لمّا ضرب المثل فضل به قوم واهتدى به قوم ـ تسبّب في ضلالهم وهداهم. أقول : هذا هو تفسير العلماء الراسخين فلله أم أنجبت مثل الزمخشري. [الكشاف ١ / ١١٨] أما قراءة الإمام زيد يضلّ بفتح الياء فلا إشكال فيها. [الكشاف ١ / ١١٩] ، وسماها في الدر