عنها بأصول الدين. والعلم بالله تعالى وسائر المعارف المذكورة متقدمة على سائر الواجبات سوى التفكر فيما ذكرناه. ومعرفته تعالى ، والعلم بهذه المعارف لا يتمّ إلا بالتفكر فكان واجبا ، وثبت أنه أوّل الواجبات.
فإن قيل : ما الدليل على أنّ العلم بالثواب والعقاب واجب؟ ـ قلنا : الذي يدل على ذلك أنه لطف للمكلفين في القيام (١) بما كلّفوه من الواجبات (٢) ؛ لأن اللّطف هو ما يكون المكلّف معه أقرب إلى فعل ما كلّف فعله ، وترك ما كلّف تركه ، أو إلى أحدهما مع تمكنه في الحالين جميعا (٣). وهذا المعنى حاصل في العلم بالثواب والعقاب ؛ فإنّ من علم بأن النفع العظيم وهو الثواب الدائم متعلّق بالطاعة ـ دعاه ذلك إلى فعلها طلبا لملاذّ الثواب. ومن علم بأن الضرر العظيم وهو العقاب الدائم متعلق بالمعصية ـ صرفه ذلك عن فعلها حذرا من ضرر العقاب ، كما أنّ من علم أنّ في التجارة ربحا عظيما ، وفي الطريق خوفا شديدا ، فإنه يكون أقرب إلى التمسك بالتجارة والتجنّب للطريق ممن لم يعلم ذلك. كذلك في مسألتنا. ولا شك أن تحصيل ما هو لطف في الواجب واجب ؛ لأنه يجري مجرى دفع الضرر عن النفس. ومعلوم بضرورة
__________________
(١) في (ب) : بالقيام.
(٢) الظاهر أن هذا يترتب على كون الثواب والعقاب واجبين ، وهو خلاف ما عليه البغدادية ومن تابعهم في كون الواجبات شكرا. فينظر. فالبغدادية تقول : يجب الثواب والعقاب. وقد حكى الإمام يحيى إجماع العدلية على الوجوب ، والبغدادية توجب الأصلح فهم أزيد في الوجوب.
(٣) في هامش نسخة المنصور : فائدة هذا فيه قول بثبوت الألطاف ، وهو الذي ذكره وهو اللطف المطلق. وأما لطف التوفيق فهو ما يفعل عنده الواجب لا محالة. ولطف العصمة ما يترك عنده القبيح لا محالة ، كما ذكر مقرر في مواضعه. تمت إملاء.