إلى المحال فهو محال. وإنّما قلنا : بأنّ القول بأنها غير متعلقة بالضدين يؤدّي إلى المحال ؛ لأنه كان يجوز أن يكون بعض الناس قادرا على نقل عشرين ألف رطل من حديد إلى جهة يمنة ، ولا يكون قادرا على نقل ريشة إلى جهة يسرة ، وأن يكون بعض الناس قادرا على مشي مائتي فرسخ في جهة يمنة ، ولا يقدر على مشي خطوة واحدة في جهة يسرة ، بأن تحصل فيه القدرة على أحد الضدين ولا تحصل القدرة للآخر ، ومعلوم ضرورة استحالة ذلك وبطلانه ، فثبت أنه يؤدّي إلى المحال. وإنّما قلنا : بأنّ ما أدى إلى المحال فهو محال فلأنّ في صحته صحة المحال وفي ثبوته ثبوت المحال ، فثبت أنّ القدرة متعلقة بالضدين.
وأما الموضع الرابع ـ وهو أن القدرة متقدمة على المقدورات ، وغير موجبة لمقدوراتها فالذي يدل على ذلك أنها لو كانت موجبة لمقدورها وغير متقدمة عليه لما كلّف الله الكافر الإيمان. ومعلوم أنّه قد كلّفه الإيمان فثبت أنها متقدمة على المقدور ، وغير موجبة له. وإنّما قلنا : إنها لو كانت موجبة لمقدورها وغير متقدمة عليه لما كلّف الله الكافر الإيمان. فالذي يدل على ذلك أنّ تكليف ذلك ـ والحال هذه ـ تكليف ما لا يطاق وهو قبيح. وإنّما قلنا : إنه يكون تكليفا لما لا يطاق ؛ لأنه متى لم يمكنه الانفكاك عن الكفر لمكان (١) القدرة الموجبة له أو لغيرها من المعاني كما يذهب إليه المتأخرون من الجبرية ، ولم تخلق فيه قدرة الإيمان في حال كفره على قولهم ـ كان تكليفه بالإيمان والانفكاك من الكفر ـ والحال هذه ـ تكليفا لما لا يطاق لا محالة ؛ لأنّا لا نعني بتكليف ما لا يطاق إلا تكليف ما لا يمكن ولا قدرة عليه ، إذ الطاقة هي القدرة والاستطاعة. وإنّما قلنا : بأنّ تكليف ما لا يطاق قبيح ، ونريد بذلك أنّ
__________________
(١) في (ب) : لما كانت.