الواحد منا تعريض أولاده ، ومن يدبّر أمره للمنازل الرفيعة ، والمنافع العظيمة بالتعلم والتأدب ، وإن كان ذلك شاقّا على الطّباع لمّا كان تعريضا لنفع لا يتم إلا به. وإذا كانت هذه العلة حاصلة في حال التكليف وجب القضاء بأنه حسن. بل هذه العلة في التكليف أقوى من تعريض الواحد (١) لولده ؛ لأن تعريض القديم تعالى لنا بالتكليف تعريض نفعه خالص لنا ؛ لاستحالة المنافع والمضار عليه (٢) ولأن المنافع الأخروية وهي منافع الثواب متيقّنة الحصول ، بخلاف المنافع الدنيوية في تعريض الواحد منا لولده فإنها مظنونة فقط ؛ ولأن المنافع الأخروية دائمة البقاء بخلاف المنافع الدنيوية فإنها زائلة لا محالة بعد الحصول ؛ ولأنّ المنافع الأخروية يقترن بها التعظيم والإجلال بخلاف الدنيوية. فإذا كانت (٣) علّة الحسن في التكليف (٤) أقوى وجب القضاء بكونه حسنا.
وأما الموضع الثالث :
وهو في الدلالة على حسن تكليف من المعلوم من حاله أنه يرد النار فعندنا أنه حسن ، وهو قول العدلية جميعا. وذهبت المجبرة إلى أنه قبيح. والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه ، وفساد ما ذهب إليه المخالفون ـ أنّ التكليف داخل في زمرة أفعاله تعالى ، وأفعاله كلها حسنة ، يبيّن ذلك ويوضحه أنّ العلم بأنه تعالى عدل حكيم لا يفعل القبيح غير واقف على العلم بهذا التكليف ولا بحالته ، وإنما يقف على العلم بكونه تعالى عالما وغنيّا ؛ فمتى علمنا ذلك ، وتوصلنا
__________________
(١) في (ه) : الواحد منا لولده.
(٢) في (ب) : المنافع عليه والمضار.
(٣) في (ب) : كان.
(٤) في (ب) ، (ج) : علة الحسن والتكليف.