إلى العلم بعدله وحكمته تعالى ، وصحّ (١) لنا أنّ أفعاله كلها حسنة ، ثمّ علمنا أن هذا التكليف من فعله ـ علمنا يقينا أنّه حسن ، وإن لم نعلم (٢) وجه الحكمة فيه. ولو ورد علينا الالتباس عند الاستكشاف عن وجه حسنه لوجب أن لا يزيلنا ذلك عن العلم بحسنه مع ثبوت الأصلين الأوّلين : وهما أنه من فعل الله تعالى ، وأفعاله كلّها حسنه. كما أنه قد يرد علينا الالتباس في المشاهدات (٣) ، وإن لم يكن مزيلا عن العلم بالمشاهدات رأسا. كذلك في مسألتنا.
دليل ثان ـ وهو أن الوجه الذي حسن لأجله تكليف من المعلوم أنّه يؤمن ثابت في من المعلوم أنّه يكفر ، وذلك لأنّ الأوّل إنّما حسن لكونه تعريضا للمكلّف للثواب على ما تقدم ، وهذا بعينه قائم في تكليف من المعلوم أنه يكفر. وإنّما يفترقان من حيث أن المؤمن أحسن الاختيار لنفسه ، وأجاب داعي عقله فآمن. ولم يحسن الكافر الاختيار لنفسه ، ولا أجاب داعي عقله ، بل أجاب داعي شهوته فلم يؤمن ؛ وذلك لا يخرج القديم من أن يكون متفضلا عليهما على سواء ، وصارت الحال في ذلك كالحال فيمن قدّم الطعام إلى جائعين قد أشرفا على الهلاك لمكان الجوع ؛ فتناول أحدهما من ذلك الطعام فلم يمت ، ولم يتناول الأخر فمات وهلك. فكما أنّ المقدّم للطعام يكون منعما عليهما جميعا ، ولا يقال : إنه منعم على الذي قبل دون من لم يقبل. كذلك الحال في مسألتنا.
__________________
(١) في (ب) : وضح ، بناء على أنها جواب متى لأن جواب متى : علمنا. والأصح ما في الأصل.
(٢) في (ب) : وإن لم نعقل.
(٣) يعني ما في الأرض والسموات من مخلوقات لا نعلم الحكمة منها كالحشرات والحيات والسباع كريهة المنظر وغيرها.