وعلى هذه الطريقة تجري الحال فيمن أدلى حبله إلى غريقين ليتشبّثا به فينجوا من الغرق فتشبّث به أحدهما فنجا. ولم يتشبث به الآخر فهلك ؛ فإنه منعم عليهما جميعا (١) ، فكذلك ما نحن فيه ، فيجب أن يكون التكليفان جميعا حسنين وإحسانين إلى المكلّفين ، وإن قبل أحدهما فآمن ولم يقبل الآخر فكفر.
وأما الموضع الرابع :
وهو في إيراد طرف من شبههم التي يتعلقون بها في قبح تكليف من علم الله أنه لا يؤمن. وذكر الجواب عما يذكرونه من ذلك. فمنها قولهم : إنه إنّما قبح تكليف الكافر ؛ لأنّه تعالى قد علم من حاله أنه يكفر ، أو لأنّه تعالى لم يعلم من حاله أنه يؤمن. بخلاف المؤمن فإنه قد علم من حاله أنه يؤمن فيصل إلى الثواب (٢).
والجواب عن ذلك : أنّ العلم لا يؤثّر في المعلوم ، وإنما يتعلّق به على ما هو به. وأنّ القدرة على خلاف المعلوم صحيحة غير مستحيلة كما تقدم ، فلا يجوز أن يؤثّر في القبح ولا في الحسن ؛ ولأنه لو صح ما ذكروه لقبح من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يدعو الكفار إلى الدّين الذي (٣) قد أعلمه الله تعالى بأنهم لا يؤمنون كأبي
__________________
(١) هذان التشبيهان غير واضحين لعدم مساوات ما نحن فيه. وإنما التشبيه الصحيح أن يقال : كمن أعطى غيره شاة وسكينا ليذبحها فقتل بها نفسه ، فالتكليف بمنزلة إعطاء السكين ، وما يراد به ويقصد من الثواب والمنافع كالشاة. هذا هو المثال المناسب كما هو المقرر في مواضعه فينظر. تمت من هامش النسخة ه.
(٢) ينظر الإرشاد ص ٢٠٣. والرازي مج ٤ ج ٧ ص ١٥٢.
(٣) الأولى : الّذين لأنه صفة للكفار وهم جمع.