وذلك أمور : منها ما يجب تقدمه (١) على الفعل ، وهو أن يكون المكلّف متمكنا من الفعل بالقدرة والآلة التي تكون موصلة إلى الفعل (٢) ، وليست محلّا له ولا جارية مجرى المحل ؛ كالقوس في الإصابة فإنها ليست محلّا للإصابة ، ولا جارية مجرى المحل.
والذي يدل على ذلك أنه لو لم يكن قادرا على الفعل ، ولا متمكنا منه بالآلة لم يصح منه إيجاده ؛ ومتى لم يصح منه إيجاده لم يصح تكليفه بذلك الفعل ؛ لأن تكليفه بذلك فرع على كونه مقدورا له ؛ لأن ما ليس بمقدور يستحيل أن يوصف بالوجوب أو القبح (٣). فمتى لم يكن مقدورا له لم تثبت هذه الأحكام ، فلا يصح إعلام المكلّف بها ؛ لأن العلم تابع للمعلوم.
وإذا لم يصح المعلوم ثبت ما قلناه : من أن التمكين شرط في حسن التكليف ؛ بل في صحته في نفسه. وقد بينا أن القدرة متقدمة على مقدورها ، ولا شكّ أنّ حكم الآلات التي ذكرنا ـ حكمها ؛ فإنه لا يصح الفعل إلا بها ، فيجب تقديمها كالقدرة.
ومنها ما يجب مقارنته للفعل وهو أمور : منها أن لا يكون ممنوعا مما
__________________
(١) في (ب) و (ج) : تقديمه.
(٢) قال السيد مانكديم في شرح الأصول الخمسة ٤٠٩ : إن الآلات تنقسم : فمنها ما يجب تقدمها ولا يجب مقارنتها وذلك كلما يكون وصلة إلى الفعل ، نحو القوس وما يجري مجراها ، فإنها لا بد أن تكون متقدمة على الإصابة حتى يصح استعمالها فيها ، ولهذا يصح أن تنكسر ولمّا وقعت الإصابة بعد. ومنها ما يجب تقدمها ومقارنتها جميعا ، وذلك كلما يكون محلا للفعل وما يجري مجراها ، نحو اللسان ، فإنه يجب تقدمه حتى يكون معينا على الكلام ، ويجب مقارنته حتى يكون محلا. وأما ما يجري مجراه فكالسكين فإنه يجب تقدمه حتى يحصل به الذبح ، ويجب مقارنته لأن الذبح إنما يحصل بأن يتخلل السكين في المحل المفري. ومنها ما يجب مقارنتها ولا يجوز فيها التقدم ، وذلك كصلابة الأرض في التصرف فإنها ينبغي أن تكون ثابتة في الحال ولا يجب تقدمها.
(٣) في (ب) ، (ج) : أو القبيح.