فالمخالف في ذلك دافع للضرورة ، لأنا نعلم بالاضطرار أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتوجه في أول الإسلام إلى بيت المقدس مستقبلا له في صلاته هو ومن قد آمن به ، وأمرهم الله تعالى بذلك ثم نسخه بقوله تعالى : (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) [البقرة : ١٤٤]. ونحو نسخ وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول في قوله : (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر) [المجادلة : ١٢]. ثم نسخها بقوله تعالى : (فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم * ءأفقتهم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) [المجادلة : ١٢ ـ ١٣] ونحو نسخ إمساك النساء الزواني في البيوت في قوله : (فأمسكوهن في البيوت) [النساء : ١٥] ، نسخ الله ذلك بآية الجلد. ونحو نسخ عدة المتوفى عنها زوجها في قوله : (متاعا إلى الحول) [البقرة : ٢٤٠] ، نسخ ذلك بقوله : (يتربص بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) [البقرة : ٢٣٤] ، إلى غير ذلك. وهذا كله في القران ، وهو معلوم بالاضطرار.
وإنما قلنا : بأن الوقوع فرع على الجواز ، لأنه لو لم يكن جائزا لكان قبيحا ، ولو كان قبيحا لما فعله الحكيم سبحانه ، لما ثبت أنه تعالى لا يفعل القبيح فلا يبق إلا أن يكون جائزا وحسنا.
__________________
من الرافضة ، فإنهم منعوا من جواز أن يأمر الله بشيء ثم ينهى عنه ، أو يحرمه ثم يبيحه. قلت : ولقد وقفت في بعض التفاسير على رواية جعفر بن محمد عليه السلام أنه نفى أن يكون نكاح الأخت جائزا في شريعة آدم ، قال : ولكن الله أنزل لابن آدم حورا ينكحها فجازات ابنتها لابن أخيه من حوى أخرى ، ثم تناسلوا بعد ذلك لا عن نكاح الأخوات ، وهذه الرواية إن صحت تدل على أن جعفر كان ممن يمنع النسخ في الشرائع ، لكنها رواية مغمورة غير ظاهرة إلا في الباطنية ، وإن صحت فلعل خلافه في الوقوع دون الجواز كما هو رأي أبي مسلم بن يحيى الأصفهاني ، وهو معتزلي العقيدة.