ونظام الآية يشهد بذلك ، قال تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ* وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) [الأحقاف : ١١ ، ١٢] ؛ وخبره تعالى صدق ؛ لأنه لو لم يكن صدقا لكان كذبا ، ولا يجوز أن يكون كذبا ؛ لأن الكذب قبيح ، وهو تعالى لا يفعل القبيح على ما مضى بيانه. يزيد ذلك وضوحا قوله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) [الزمر : ٢٣] ، فوصفه بأنه منزّل والقديم لا يجوز عليه النزول ، ووصفه بأنه حسن ، والحسن من صفات المحدث ، ووصفه بأنه حديث ، والحديث يناقض القديم ، ووصفه بأنه كتاب ، والكتاب هو المجموع ؛ ولذلك سميت الكتيبة كتيبة ؛ لاجتماعها ، والاجتماع من صفات المحدث.
ومما يدل على أنه محدث أنه مفعول ؛ لأن الله تعالى سمّاه أمرا فقال : (ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ) [الطلاق : ٥] ، وقال : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) [النساء : ٤٧]. والمفعول لا محالة محدث.
وقد دلت السنة على ذلك حيث قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما أنزل الله في التّوراة ولا في الزّبور ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثل فاتحة الكتاب ، وهي أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي مقسومة بين الله وبين عبده ، ولعبده ما سأل» (١) والقديم لا يوصف بالنزول ؛ فثبت أنه محدث ؛ وإذا ثبت أنه موجود ، وأنّ لوجوده أوّلا ـ فعندنا أنه مخلوق عرفا وشرعا ، فلا يجوز أن يقال بقدمه ؛ إذ هو معجزة لنبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
(١) أحمد بن حنبل ٨ / ٨ رقم ٢١١٥٢ ، ورقم ٢١٥٣ عن أبي بن كعب. والدارمي في سننه ٢ / ٤٤٦. والترمذي ٥ / ٢٧٨ رقم ٣١٢٥ ، وصححه. والسيوطي في الدر المنثور ١ / ٢١ وذكر كثير ممن أخرج الحديث.