وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «القرآن موجود في ثلاثة مواضع : في الصحف مكتوب ، وعلى الألسن متلو ، وفي القلوب محفوظ». ويطابق هذا الخبر قول الله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ* بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) [العنكبوت : ٤٨].
ولا يقدح في ذلك أن يقال : إذا كان كلاما وجب عدمه في الوقت الثاني ، وإذا قلتم بأنه باق كان متنقلا ، وذلك مما لا يصح في الكلام ؛ لأنا نقول : إن الدلالة قد دلت على أنه باق فيجب الانقياد لها ، والقارئ له يشتمل ما يلفظ به على الحكاية والمحكي ، والتلاوة والمتلو ، والقراءة والمقروء ؛ فالمقروء ، والمتلوّ والمحكي فعل الله تعالى عرفا وشرعا. والتلاوة والحكاية والقراءة فعل القارئ والتالي والحاكي ؛ ولهذا يثاب على ذلك إذا فعله مع الطهارة من الجنابة ، ويعاقب عليه إذا فعله مع فقدها.
وأما الانتقال فإن الأعراض تكون في حكم المنتقلة بانتقال محالها ؛ لأن الزعفران والمسك وغيرهما إذا نقل ذلك من بلد إلى بلد فإنّ ريحه في حكم المنتقل بانتقال محله وهو الزعفران والمسك ونحوهما ، فكذلك نزول القرآن وانتقاله من بلدة إلى أخرى (١).
وأمّا أنه مخلوق ؛ فمعنى وصفنا له بأنه مخلوق أنه مصوّر ، مرتّب ، مقدّر ، منزّل ، على مقدار معلوم ، مطابق للمصلحة ؛ فهذا هو معنى قولنا : إنه مخلوق ، وقد ورد وصف ما هذه حاله بأنه مخلوق لغة وشرعا : أما اللغة فقال زهير في هرم بن سنان الغطفاني (٢) :
__________________
(١) في (ب) : من بلد إلى آخر.
(٢) من أجواد العرب في الجاهلية يضرب به المثل ، وهو ممدوح زهير. توفي نحو ١٥ ق. ه. ينظر الأعلام ٨ / ٨٢.