ولأنت تفري ما خلقت وبع |
|
ض القوم يخلق ثم لا يفري |
أي إنك تقطع ما قدّرت ، وبعض القوم يقدّر ثم لا يقطع. وقال بعض المتقدمين في اللغة مفتخرا على غيره : لا أعد إلّا وفيت ، ولا أخلق إلا فريت (١) ، أي لا أقدّر إلا وأقطع كما قدّرت ، يعنى أنه لا يخطئ في التقدير ، ولا يعجز عن قطع ما قدره. وهذا هو معنى قولنا : بأن القرآن مخلوق ؛ لأنه مصوّر مرتب مقدر منزل على مقدار معلوم ، مطابق لمصلحة العباد.
وأما الشرع : فقال الله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤] ؛ أي المصورين.
وقال في عيسى عليهالسلام : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) [المائدة : ١١٠] ؛ أي تقدّر وتصوّر على مقدار معلوم. وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما خلق الله من سماء ولا أرض ولا سهل ولا جبل أعظم من سورة البقرة ، وأعظم ما فيها آية الكرسي» (٢). وقال صلّى الله عليه وعلى آله الأكرمين : «كان الله ولا شيء ، ثم خلق الذّكر» (٣) ، والذّكر هو القرآن كما تقدم.
وروى أنس عن عمر بن الخطاب أنه قال : اقرءوا القرآن ما ائتلفتم ؛ فإذا اختلفتم فكلوه إلى خالقه» ؛ ولأن هذا القرآن لا يخلو أن يكون خالقا أو لا. بل هو مخلوق ، وهذه قسمة صحيحة لترددها بين النفي والإثبات ، ومعلوم أنه ليس بخالق فلم يبق إلا أنه مخلوق ، ومن قال : بأنه مخلوق بمعنى أنه مكذوب فهو كافر برب العالمين ؛ فاعرف ذلك أيها المسترشد.
__________________
(١) هو قول الحجاج كما في التاج ١٣ / ١٢١ بلفظ : ما خلقت إلا فريت ، وما وعدت إلا وفيت.
(٢) الدر المنثور للسيوطي ١ / ٥٧٣ عن ابن مسعود. والبيهقي في الأسماء والصفات. والترمذي في سننه ٥ / ١٤٨ برقم ٢٨٨٤.
(٣) الطبراني في الكبير ١٨ / ٢٠٤ رقم ٤٩٩ عن عمران بن حصين.