لا يوجده ، وأنّه [أي الله] ليس بمؤثّر على سبيل الإيجاب ، وإلا كان يجب ثبوتها [أي الكائنات] في الأزل ، وذلك محال ، وقد ثبت أنه أوجده وأوقعه ، والوقوع فرع على الصحة. وإنما قلنا : بأن من صحّ منه الفعل فهو قادر ؛ لأنا وجدنا في الشاهد رجلين : أحدهما يصح منه المشي الكثير ونقل الشيء العظيم كالصحيح السليم ، والآخر يتعذر عليه ذلك كالمريض المدنف (١) من غير مانع يمنعه من ذلك ، فدلّ ذلك بأن من صحّ منه الفعل لا بد أن يفارق من تعذر عليه ذلك بمفارقة ، وإلا لم يكن أحدهما بأن (٢) يصح منه الفعل أو يتعذر عليه أولى من الآخر ، وتلك المفارقة هي التي عبّر عنها أهل اللغة بكونه قادرا. فإذا كان الله تعالى قد صح منه ، بل قد وجد ـ والوجود فرع على الصحة ـ وجب أن نصفه بكونه قادرا ؛ لأنّ الدليل يطّرد شاهدا وغائبا.
فصل : فيما يوافق ذلك من جهة الشرع :
قال الله تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة ٢٨٤] ، فاقتضى ذلك أنه تعالى قادر على جميع أجناس المقدورات وأعيانها (٣) ؛ لعموم الخطاب ،
__________________
قال ابن حابس : وليس المراد بالصحة الإمكان الذي هو مقابل الاستحالة ، وإنما المراد بالصحة والاختيار : هي التي تقابل الإيجاب فإنه الصحة الأولى لا تدل على القادرية. اه. والاختيار مقابل العلة والمعلول كالشمس لما كانت علة للضوء فلا يصدر عنها غيره لكن الباري لمّا لم يكن علة للكون بل هو خالق مختار صدر عنه المخلوقات المتنوعة.
(١) الدّنف بفتح الدال والنون المرض الملازم. يقال : مدنف ومدنف «المختار ٢١٢».
(٢) بأن محذوف في (ب) و (ج).
(٣) قال في شرح الأصول الخمسة ١٥٦ : وأما الذي يدل على أنه عزوجل قادر على أجناس المقدورات ، فهو أن أجناس المقدورات لا تخلو ؛ إما أن تدخل تحت مقدورنا أو لا تدخل تحت مقدورنا. فإن لم تدخل تحت مقدورنا وجب أن يختص القديم تعالى بها ، وإلا خرجت عن كونها مقدورة ، وإن دخلت تحت مقدورنا فالله تعالى بأن يكون قادرا عليها أولى ؛ لأن حاله في القدرة على الأجناس إن لم يزد على حالنا لم ينقص عنه.