بحاله ، وقد أعدّ الله فيه جميع ما يصلح دينه ودنياه قبل حاجته إليه ، من الجوارح والقدرة ، وجعل كلّ جارحة تصلح لما لا تصلح له الجارحة الأخرى ، فركّب فيه للسماع أذنين ، وللبصر عينين ، وللشم أنفا ، وجعل الفم مشتملا على اللسان والأسنان. وجعل له آلة الذّوق ، والطعام ، والانبعاق (١) في جميع أنواع الكلام ، وسبيلين لإخراج الأذى ، ويدين للبطش واللمس ، ورجلين للمشي ، مع اشتمال جسمه على عروق كثيرة مختلفة المنافع.
وعن جعفر الصادق عليهالسلام (٢) أنه قال : «جعل الله المرارة في الأذنين ؛ لئلا تدخل الهوامّ في خروقهما إلى الدماغ ، وجعل الملوحة في العينين ؛ لأنهما شحمتان فأمسكهما بالملوحة ؛ لئلا تذوبا ، وجعل الرطوبة في المنخرين ؛ لأن يجد بهما الإنسان ريح الأشياء ، فلو لا رطوبتهما كانا كسائر جسده ، وجعل الحلاوة في اللسان والشفتين ؛ لأن يجد به الإنسان طعم الأشياء ، وجعل بطن الراحة لا شعر فيه ؛ ليحسّ اللمس» (٣) ، ثم قال الصادق : أخبرني بهذا أبي عن أبيه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. فانظر إلى هذه الحكمة البالغة.
__________________
(١) بعق في الحديث انصبّ فيه بشدة. وفي الحديث : «إنّ الله يكره الانبعاق في الكلام ، فرحم الله عبدا. أوجز في كلامه» ، [مختار الصحاح ص ٥٨].
(٢) جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام ، ولد سنة ٨٠ ه وقيل ٨٣ ه وتوفي ١٤٨ ه ، سادس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية ، وإليه ينتسب المذهب الجعفري الإمامي ، وله منزلة رفيعة في العلم. أخذ عنه أبو حنيفة ومالك ، وقال فيه : ما رأت عيني أفضل منه فضلا وعلما وورعا. وهو أشهر من نار على علم. ينظر أعيان الشيعة ج ١ ص ٦٦٠.
(٣) ربما ذكر هذا في كتابه : خلق الإنسان وتركيبه.