مثل الشمعتين في البيت ، والنجوم مثل القناديل ، وما أعدّ في الأرض من العيون والفواكه والزرع والمعادن مثل ما يكون في البيت من الآلة والمتاع والذخائر ، والعبد كالمخوّل ذلك البيت وما فيه». هذا آخر كلامه عليهالسلام. ولا شبهة في كون جميع ذلك محكما.
وكذلك من نظر في خلق الإنسان وفي مبتدئه ومنتهاه ، فأوّله نطفة ، ثم يصير علقة ، ثم مضغة ، ثم يصير عظاما ، ثم تكسى تلك العظام لحما ، ثم يخرج من بطن أمه لا يعلم شيئا ، كما قال تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) [النحل : ٧٨] ، ثم يخرج الولد مع كبره وصغر ما يخرج منه ، فيصير رضيعا ، ثم طفلا ، ثم غلاما ، ثم بالغا ، ثم شابّا ، ثم كهلا ، ثم شيخا ، فيردّ إلى أرذل العمر ، ويتغير شعره وبشره وأعضاؤه وعروقه ، وتسقط أسنانه حتى يصير إلى قريب من حال الطفولية ، بل إلى حال الرضاع فتنبت أسنانه بعد سقوطها (١) ، ويسيل لعابه ، ويختل عقله ، ولا يصبر على الجوع والعطش ، ويبكي إن أصاباه كحال الصغير.
وعند خروجه أوّلا من بطن أمّه يحدث الله له رزقا في ثدي أمه ، لبنا خالصا موافقا للطفل ، يتغذى به حارّا في وقت البرد ، باردا في وقت الحر (٢) ويلقي الله له الرحمة (٣) في قلب أمه وقلب أبيه ، فيصبران لأجلها على القيام
__________________
(١) في (ب) : وتسقط أسنانه بعد ثبوتها. وهو الأظهر ؛ لأن الشيخ الكبير لا تنبت له أسنان ، ولعلّه في الأصل يشير إلى قصة غريبة لأحد المعمّرين وهو نصر بن دهمان الغطفاني جاهلي عاش مائة وتسعين سنة فاسود شعره ، ونبتت أضراسه ، وعاد شابّا ، ولا يعرف في العرب أعجوبة مثله. [ينظر الأعلام للزركلي ٨ / ٢٢].
(٢) أكدّ الأطباء أن حليب الأم يبقى في حالة متوازنة من الحرارة والبرودة ولا يتأثر بالأحوال حرّا وبردا.
(٣) في (ب) : رحمة.