كذلك لم يأمن أن يكون آمرا بقبيح ، وناهيا عن حسن وذلك قبيح لا يجوز فعله. وثانيها : أن يعلم أو يغلب على ظنه أنّ لأمره ونهيه تأثيرا ؛ لأنّ الأمر والنهي لا يرادان إلّا لحصول المأمور به ، وامتناع المنهيّ عنه.
وثالثها : أن لا يؤدي الأمر والنهي إلى مثل ما نهي عنه أو أعظم منه من المناكير ؛ لأنّ الأمر والنهي ـ والحال هذه ـ لا يجوزان ؛ لأجل المفسدة التي فيهما ، وهذا مما لا خلاف فيه ، إلّا في وجه واحد ، وهو أنه إذا غلب على ظنه أنّ أمره ونهيه يؤديان ، أو المفعول من أحدهما إلى قطع عضو من أعضائه ، أو إلى قتله ـ وكان في ذلك إعزاز للدّين ـ هل يكون حسنا مندوبا ، أو قبيحا محظورا؟. من العلماء من ذهب إلى جواز ذلك ـ والحال هذه ـ وعليه دلّت أفعال العترة كالحسين بن علي ، وزيد بن علي ، ومن طابقهما من أهلهما سلام الله عليهم أجمعين. وعلى ذلك يدل سير (١) الصحابة (رض). وإليه ذهب الشيخان أبو عبد الله الحسن البصري ، وأبو الحسن الكرخي (٢).
وأما الشيخ أبو هاشم فجوّز ذلك عند إظهار كلمة الحق عند الظّلمة ، وإظهار الإسلام عند الكفرة دون ما عدا ذلك. والأول هو الأولى عندنا لما تقدم ذكره من أفعال الصحابة (رض) ، وأفعال العترة.
ورابعها : أن يعلم أو يغلب على ظنه أنه متى لم يأمر بالمعروف الواجب ، أو لم ينه عن المنكر أدّى ذلك إلى تضييع المعروف ووقوع المنكر ؛ لأنه متى لم يعلم ذلك أو يغلب على ظنه لم يكن للأمر ولا للنهي وجه.
__________________
(١) في (ب) : تدل سيرة.
(٢) هو عبد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم ، قيل : إنه ولد سنة ٢٦٠ ه ، وإليه انتهت رئاسة أصحاب أبي حنيفة ، وكان معتزليّا ، كثير العبادة ، صبورا على الفقر والحاجة. توفي في ١٥ شعبان سنة ٣٤٠ ه. ينظر طبقات المعتزلة ص ١٣٠. وتاريخ بغداد ١٠ / ٣٥٣. وسير أعلام النبلاء ١٥ / ٤٢٦.