ومنها أنه لو كان جسما لكان يجب أن لا ينفكّ عن الهيئة والصورة ، وذلك يحوجه إلى مصوّر ومقدّر ، وقد ثبت قدمه.
وأمّا أنه تعالى ليس بجوهر فنفصّل الكلام فيه ، فنقول : إمّا أنه ليس تعالى بجوهر على الاصطلاح اللّغوي ، وهو أصل الشيء وسنخه (١). يقال : جوهر هذا الثوب جيد ، وجوهر هذا الثوب رديء ؛ أي أصله ، فهذا لا يجوز على الله تعالى ؛ لأن أصل الشيء من جنس ذلك الشيء. والله تعالى ليس بجسم على ما تقدم بيانه.
وأمّا أنه ليس بجوهر على اصطلاح المتكلمين وهو المتحيّز الذي لا يتجزأ ولا يتبعّض. فالذي يدل على أنه تعالى ليس بجوهر على هذا المعنى ، أنّا قد بيّنّا أن الله تعالى قد أوجد العالم وفعله ، وبيّنّا أن الفعل لا يصح إلا من حي قادر ، والجوهر ليس بحي ولا قادر ، ولأنّ الجوهر محدث كائن في الجهات ، فلو كان الله تعالى جوهرا بهذا المعنى لجاز عليه ما يجوز على الجوهر من الأكوان والحالات ، ولما انفك عن الحوادث الجاريات ، وهذا لا يجوز عليه ؛ لأنا قد بيّنّا حدوث ما هذه حاله ، وبينا أنه تعالى قديم ، فلا يجوز أن يكون جوهرا بهذا المعنى. وأمّا أنه ليس بجوهر على اصطلاح الفلسفيين وهو الموجود لا في موضع (٢) فإن هذا المعنى وإن كان ثابتا في الله تعالى فإنّ وصفه به لا يجوز ؛ لأنّ لفظة الجوهر متى أطلقت لم يسبق إلى أفهام الأصوليين إلا ما ذكرناه في اصطلاحهم ، وإلى أفهام اللّغويين ما ذكرنا ثبوته في لغتهم ، وكلاهما لا يجوزان على الله تعالى ؛ فلهذا قلنا : إنه لا يجوز وصفه تعالى بأنه جوهر.
__________________
(١) في (ب) وشبحه.
(٢) في الأصل موضوع ، وكتب بالهامش موضع ليطابق كل النسخ ، ولعل كلمة موضوع سبق قلم ، إذ لا معنى لها ، ولذلك لم نثبتها.