فصل : وإذا ثبت أنه تعالى ليس بجسم ولا جوهر ، لم يجز أن يكون محلّا لشيء من الحوادث أصلا ، خلافا للكرّاميّة (١).
والذي يدل على ذلك وجهان : أحدهما أنه لو كان محلّا لشيء منها لوجب أن يكون متحيّزا ؛ لأنّ الحلول لا يصح إلا في المتحيّزات ، ولو كان متحيّزا لكان محدّثا لما بينا أنّ جميع المتحيزات محدثة. وقد ثبت قدمه تعالى ، فاستحال أن يكون محلّا.
الوجه الثاني : أنه لو كان محلّا لشيء من الحوادث لأدّى إلى أحد باطلين : إمّا أن يكون محدثا ؛ لحدوث الحوادث الحالّة فيه.
الثاني أن تكون الحوادث قديمة ؛ لكون المحل قديما ، وكلا الأمرين محال ، فما أدى إلى المحال وجب أن يكون محالا. فثبت أنه تعالى ليس بمحلّ.
وأما أنه تعال ليس بعرض ، فلأنه إن أريد بذلك ما يفيده لفظ العرض في اللغة ، وهو ما يعرض في الوجود ويقلّ لبثه ، كما قال تعالى : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف : ٢٤] أي قليل البقاء ، وكما قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الدّنيا عرض حاضر ، يأكل منها البرّ والفاجر» (٢) ، أي قليلة البقاء. فهذا لا يجوز على الله تعالى ، لأنه تعالى قديم كما تقدم بيانه.
__________________
(١) ينظر تجريد الاعتقاد ١٨٠ ، والإرشاد للجويني ٦١ ، ٦٣. الكرامية : نسبة إلى أبي عبد الله محمد بن كرّام السجستاني الزاهد. كان من عباد المرجئة ت ٢٥٥ ه. وهم فرقة جمعوا بين الجبر والتشبيه ، ومنعوا تكليف ما لا يطاق ومقارنة القدرة والمقدور. ينظر جامع الفرق ١٥٩.
(٢) تفسير القرطبي ٥ / ٢١٨ ، والعرض ـ بسكون الراء ـ ما سوى الدنانير والدراهم. فكل عرض عرض وليس كل عرض عرضا. أما العرض ـ بفتح الراء ـ فهو الألوان ونحوها. والهيثمي في مجمع الزوائد ٢ / ١٨٨ بلفظ : «أيها الناس إن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر».