والقديم واجب الوجود في كل حال ، من حيث إنه موجود لذاته كما تقدم بيانه ، والموجود للذات يجب أن يكون موجودا في جميع الحالات ؛ لأنه لا اختصاص لذاته بحال دون حال.
فإمّا أن يجب وجوده في جميع الأحوال أزلا وأبدا ، فهو الذي نقول. وإما أن لا يجب وجوده في حال من الأحوال فهذا باطل ؛ لأنه يؤدي إلى إبطال كونه قديما ، وقد ثبت قدمه. وإمّا أن يجب وجوده في حال دون حال فهذا لا يجوز ؛ لعدم المخصص لبعض الأحوال دون بعض. فثبت أنه تعالى واجب الوجود في كل حال ، وبذلك يثبت أنه تعالى باق دائم ؛ لأن الباقي هو : الموجود الذي لا يتجدد وجوده الآن ، والدائم هو : الموجود الذي لم يتبع وجوده عدم.
وقد ثبت أنه تعالى لا يجوز تجدّد وجوده ، ولا يجوز عدمه لما ثبت من أنه واجب الوجود في كل حال. وإن أريد بالعرض ما هو المفهوم في اصطلاح المتكلمين ، وهو : المحدث الذي لا يشغل الحيز ، فهذا لا يجوز وصف الله تعالى به ؛ لأنّ الله تعالى قديم ، والعرض محدث ، فلا يجوز أن يكون عرضا بهذا المعنى ، ولأنّ الله تعالى حيّ قادر ، والعرض ليس بحيّ ولا قادر ، ولأنّ العرض يجوز عليه العدم والتّجدّد والبطلان ، والله تعالى قديم واجب الوجود في كل حال ، فلا يجوز عدمه.
فصل : وإذا ثبت أنه تعالى ليس بعرض ، فلا يجوز عليه شيء من خصائص الأعراض نحو التجدد والبطلان. وقد دلّلنا على ذلك. ونحو الحلول في المحالّ خلافا للصوفية الجهّال ؛ فإنهم يقولون : إنه تعالى حالّ في الصّور الحسنة (١). والذي يدل على أنه تعالى غير حالّ في شيء من المحالّ وجهان : أحدهما :
__________________
(١) من الصوفية أهل سنة ، وبعضهم يقول بالحلول والاتحاد ؛ فهم فرقة من المتصوفة المبطلة ، قالوا : الله يحل في الأجسام والصور الجميلة. موسوعة الفرق ص ١٩٣ وص ٢٨٠.