أحدهما : أنه لا يصح الاستدلال بالسمع على هذه المسألة ؛ لأن صحة السمع موقوفة على العلم بعدله وحكمته. لأنا ما لم نعلم أنه لا يجوز عليه الكذب ولا التلبيس ولا غير ذلك من القبيح لم يصح منا الاستدلال بكلامه سبحانه ، ولا بكلام رسوله عليهالسلام على حكم من الأحكام ، وذلك لا يصح إلا أن يكون تعالى عالما بقبح القبيح وغنيّا عن فعله ، حتى لا يفعل شيئا منها. ولا يستقر كونه عالما بقبح القبيح حتى يكون عالما لذاته ، فيعلم كلّ المعلومات على كل الوجوه التي يصح أن تعلم عليها ، والمعتقد لكونه جسما يبطل ذلك ؛ لأنّ (١) الجسم يستحيل أن يكون عالما لذاته ، وإلا وجب ذلك في جميع الأجسام. [وكذلك فلو كان جسما لصحت عليه الحاجة كسائر الأجسام] (٢).
الوجه الثاني : أنا نعارضهم من الكتاب والسنة بما ينفي الجسمية ، ويبطل مذهبهم ، فلا يصح تعلّقهم بما يوردونه في ذلك ؛ لأنهم ليسوا بالاستدلال أولى منا ، بل نحن بذلك أولى لموافقة أدلتنا لمحكم القرآن وأدلة العقول. فنقول وبالله التوفيق :
فصل فيما يؤكد ذلك من أدلة السمع
فمن ذلك قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] وقوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤] وقوله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) [البقرة : ٢٢] وقوله تعالى : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [مريم : ٦٥].
ومن السنة : ما روي عن ابن مسعود أنه قال : سئل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ أيّ
__________________
(١) في بقية النسخ : لكون.
(٢) ما بين الحاصرتين زائد في (ب) ، (ج) ، (د) ، (ه).