والجواب أنّ ظاهر الآية لا يقتضي ذلك ؛ لأنه لم يبيّن المقصود بأنّه في السماء ، ومن المخوّف منه ، فسقط قولهم. فيجوز أن يكون عنى به من في السموات سلطانه ، ويجوز أن يكون عنى به الملائكة الذين أهلك الله تعالى من أهلك على أيديهم ، وإنهم نزلوا بعذاب أولئك القرون ، واستأصلوهم (١). فالتعلق به ساقط. فإن قيل : ولم وحّد ذكر الملائكة؟ قلنا : إن لفظة من تقع على الواحد والجمع ، فمتى حملت على اللفظ وحّدت ، ومتى حملت على المعنى جمعت. وقد ورد بكل ذلك الكتاب والشّعر : أما الكتاب فنحو قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) [الجن : ٢٣] إلى غير ذلك من الآيات. وأما الشعر فقول زهير :
ومن يتعظّم بالكبائر يتّضع |
|
ومن يتواضع خشية الله يعظم (٢) |
ومن ذلك قوله تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) [المجادلة : ٦]. قالوا : وكذلك فقد انعقد الإجماع بين المسلمين في أنه تعالى في كل مكان. والجواب عن ذلك أن المراد به أنّه تعالى محيط بكلّ مكان علما وقدرة ، فكأنّ ذاته في كل مكان. ومتى كانت هذه الآية وما شابهها محتملة لما ذكرناه من التأويل ، ومطابقة في ذلك دلالة العقول ، ومحكم الآيات ، غير خارجة عن اللغة العربية ، والقرآن ـ نزّل عليها ، فيجب أن تحمل على ذلك لتتّفق الأدلة ، وينزّه الصانع عن صفات النقص.
ومن جملة ما تعلقوا به في المكان قوله تعالى : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي مج ١٥ ص ٧١ ..
(٢) مجموع المتون ص ٧٩٦. معلقته.