يقال لهم : أين كان الله قبل خلق العرش؟ وأين كان قبل خلق السماء؟ وأين كان قبل خلق الأماكن؟ فإنّا قد دللنا على قدمه تعالى وحدوث الأماكن ، وأين يكون تعالى بعد فناء الأماكن؟ فإنه لا بدّ من فناء كل شيء ، لقوله تعالى (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] أي إلا ذاته ، فأين يكون بعد فناء الأماكن؟ وكلّ ذلك يبطل احتياجه إلى الأماكن ، أو يوجب قدم الأماكن ، وأنّها لا تفنى. وقد دللنا على حدوثها وفنائها ، فلم يبق إلا أنه تعالى غير محتاج إليها ، فبطل بذلك قولهم.
فصل : في إيراد طرف مما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في إبطال القول بأنه تعالى جسم وطرف مما روي عن الصحابة (رض). عن علي أمير المؤمنين عليهالسلام أنه قال : جاءت اليهود إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا : صف لنا ربّك ، فسكت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تعجّبا مما سألوه وانتظارا لأمر الله فيهم ، فقالوا : كنّا نصف من تعظيم ربنا أنّ الله تعالى يضع السموات يوم القيامة على إصبع ، والبحار على إصبع ، وسائر الأشياء على اصبع ، ويده الأخرى فارغة. فأنزل الله تعالى قبل أن يقوموا تكذيبا لهم وردّا عليهم ، (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الزمر : ٦٧] (١) أي ما
__________________
(١) البخاري رقم ٤٥٣٣ ، ولفظه : جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا محمد إنا نجد أنّ الله يجعل السموات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلائق على إصبع ، فيقول : أنا الملك ، فضحك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى بدت نواجذه ، تصديقا لقول الحبر ، ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ). الآية. ومسلم رقم ٢٧٨٦ بزيادة : ثم يهزهن. وفي الطبري مج ١٢ ج ٢٤ ص ٣٣ ساق عدة روايات ، وكل ما روي في هذا يؤكد بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ضحك تصديقا له. والدر المنثور ٥ / ٦٢٧ ؛ لكن مؤلف الينابيع يرى أن ضحك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تعجبا وتكذيبا ؛ لأن الله ليس له إصبع ، قال ابن حجر في فتح الباري ١٣ / ٣٩٨ : وأما من زاد «وتصديقا له» فليست بشيء ، فإنها من قول الراوي وهي باطلة ؛ لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يصدق المحال ، وهذه الأوصاف في حق الله محال. غير أن الأحاديث يمكن تأويل الإصبع فيها بالقوة والقدرة وسهولة سيطرة الله على المخلوقات العظام.