وتساوي طرفي وجوده وعدمه إنما يكون في العقل والمرجح لطرف الوجود يكون موجودا في الخارج وأما في العدم فلا يكون إلا عقليا وعدم العلة ليس بنفي محض وهو يكفي في الترجيح العقلي ولامتيازه عن عدم المعلول في العقل يجوز أن يعلل هذا العدم بذلك العدم في العقل.
المسألة الرابعة والأربعون
في أن الممكن الباقي محتاج إلى المؤثر
قال : والممكن الباقي مفتقر إلى المؤثر لوجود علته.
أقول : ذهب جمهور الحكماء والمتأخرين من المتكلمين إلى أن الممكن الباقي محتاج إلى المؤثر وبالجملة كل من قال بأن الإمكان علة تامة في احتياج الأثر إلى المؤثر حكم بأن الممكن الباقي مفتقر إلى المؤثر والدليل عليه أن علة الحاجة إنما هي الإمكان وهو لازم للماهية ضروري اللزوم فهي أبدا محتاجة إلى المؤثر لأن وجود العلة يستلزم وجود المعلول.
قال : والمؤثر يفيد البقاء بعد الإحداث.
أقول : لما حكم باحتياج الممكن الباقي إلى المؤثر شرع في تحقيق الحال فيه وأن الصادر عن المؤثر ما هو حال البقاء وذلك لأن الشبهة دخلت على القائلين باستغناء الباقي عن المؤثر بسبب أن المؤثر لا تأثير له حال البقاء لأنه إما أن يؤثر في الوجود الذي كان حاصلا وهو محال لأن تحصيل الحاصل محال ، أو في أمر جديد فيكون المؤثر مؤثرا في الجديد لا في الباقي.
والتحقيق أن قولهم المؤثر حال البقاء إما أن يكون له في الأثر تأثير أو لا يشتمل على غلط فإن المؤثر في البقاء لا يكون له أثر البقاء حال البقاء وتحصيل الحاصل إنما لزم منه. والحق أن المؤثر يفيد البقاء بعد الإحداث وتأثيره بعد الإحداث في أمر جديد هو البقاء فإنه غير الإحداث فهو مؤثر في أمر جديد صار به باقيا لا في الذي كان باقيا.