قال : وحصول العلم عن الصحيح واجب.
أقول : اختلف الناس هنا فالمعتزلة على أن النظر مولد للعلم وسبب له والأشاعرة قالوا إن الله تعالى أجرى عادته بخلق العلم عقيب النظر وليس النظر موجبا ولا سببا للعلم واستدلوا على ذلك بأن العلم الحادث أمر ممكن والله تعالى قادر على كل الممكنات فاعل لها على ما يأتي في خلق الأعمال فيكون العلم من فعله والمعتزلة لما أبطلوا القول باستناد الأفعال الحيوانية إلى الله تعالى بطل عندهم هذا الاستدلال ولما رأوا العلم يحصل عقيب النظر وبحسبه وينتفي عند انتفائه حكموا عليه بأنه سبب له كما في سائر الأسباب. والحق أن النظر الصحيح يجب عنده حصول العلم ولا يمكن تخلفه عنه فإنا نعلم قطعا أنه متى حصل لنا
اعتقاد المقدمتين فإنه يجب حصول النتيجة قالت الأشاعرة التذكر لا يولد العلم فكذا النظر بالقياس عليه والجواب الفرق بينهما ظاهر.
قال : ولا حاجة إلى المعلم.
أقول : ذهبت الملاحدة إلى أن النظر غير كاف في حصول المعارف بل لا بد من معونة من المعلم للعقل لتعذر العلم بأظهر الأشياء وأقربها من دون مرشد وأطبق العقلاء على خلافه لأنا متى حصلت المقدمتان لنا على الترتيب المخصوص حصل لنا الجزم بالنتيجة سواء كان هناك معلم أو لا وصعوبة تحصيل المعرفة بأظهر الأشياء لا يدل على امتناعها مطلقا من دون المعلم وقد ألزمهم المعتزلة الدور والتسلسل لتوقف العلم بصدقه على العلم بتصديق الله تعالى إياه بواسطة المعجزة فلو توقفت المعرفة بالله تعالى عليه دار ولأن احتياج كل عارف إلى معلم يستلزم حاجة المعلم إلى آخر ويتسلسل. وهذان الإلزامان ضعيفان لأن الدور لازم على تقدير استقلال المعلم بتحصيل المعارف وليس كذلك بل هو مرشد إلى استنباط الأحكام من الأدلة التي من جملتها ما يدل على صدقه من المقدمات والتسلسل يلزم لو وجب مساواة عقل المعلم لعقولنا أما على تقدير الزيادة فلا.