على كون الباني ذا قدرة وعلم وإرادة ثم لم تطردوا هذا الحكم غائبا فإذا يلزمكم دليل مستأنف في حق الغائب ولا يغنيكم دعوى الضرورة في هذا الجمع فأنتم معاشر المعتزلة يلزمكم في استقرائكم الشاهد كون الصانع ذا قدرة وعلم وإرادة وأنتم معاشر الأشاعرة يلزمكم في استقرائكم الشاهد كون الصانع ذا بنية وآلة وأداة وبالجملة الاستقراء ليس يوجب علما وإن ادعيتم الضرورة فما بالكم شرعتم في الدليل.
قال القاضي أبو بكر رحمهالله إذا كنا نعود في آخر الاستدلال بعد السبر والتقسيم والترديد والتحويم إلى دعوى الضرورة فما بالنا لم ندع البديهة والضرورة في الابتداء.
فنقول إذا أحاط المرء علما ببدائع الصنع وعجائب الخلق من سير المتحركات على نظام وترتيب وثبات الساكنات على قوام وتسديد وحصول الكائنات بين المتحركات والساكنات فمن جماد ونبات ومن حيوان ومن إنسان وكل بإحكام وإتقان عرف يقينا أن الصانع عالم حكيم قادر مريد ومن استراب عن ذلك كان عن العقل خارجا وفي تيه الجهل والجا ولسنا نحتاج في ذلك إلى إثبات فعل في الشاهد ثم طرد ذلك في الغائب بل الغائب شاهد والعقل رائد والبصر ناقد ومن حاول الاستدلال في مناهج الضروريات عمي من حيث يبصر وجهل من حيث يستبصر.
وأجاب إمام الحرمين عن سؤال الاستقراء بأن قال : نحن لم نستقر الحال في الشاهد ولا نحكم على الغائب بحكم الشاهد لكنا نقول قام الدليل على حدوث العالم واحتياجه من حيث إمكانه إلى مرجح لأحد طرفي الإمكان والمرجح إما أن يرجح بذاته ولذاته أو بذاته على صفة أو بصفة وراء الذات واستحال الترجيح والتخصيص بالوجود بالذات من حيث هو ذات لأن الموجب بالذات لا يخصص مثلا عن مثل فإن نسبة الذات إلى هذا المثل كنسبته إلى المثل الثاني فيجب أن يكون بصفة وراء الذات أو بذات على صفة ، وقد ورد التنزيل والشرع بتسمية تلك الصفة التي يتأتى بها التخصيص إرادة ثم الإرادة تخصص ، ولا توقع فالصفة التي يتأتى بها الإيقاع والإيجاد هي القدرة والفعل إذا اشتمل على إتقان وإحكام وجب بالضرورة كون الصانع عالما والإرادة أيضا لا تتعلق بشيء إلا بعد أن يكون المريد عالما وهذه الصفات تستدعي في ثبوتها الحياة فوجب أن يكون الصانع حيا وقد نازعوه في تماثل الأشكال وتشابه الأمثال ، وذلك عناد وجدال لكن الخصم يقول نسبة الصنع عندنا إلى الذات كنسبته إلى الإرادة والقدرة عندكم ، فإن الإرادة عندكم واحدة وهي في ذاتها صفة صالحة يتأتى بها التخصيص مطلقا ونسبتها إلى هذا المثل كنسبتها إلى مثل آخر وكذلك القدرة ولأنهما لا يتعلقان بالمرادات والمقدورات قبل الإيجاد فما الموجب لتخصيص حال