الوجود بالإيقاع ونسبة الإرادة والقدرة إلى هذه الحال كنسبتها إلى حال أخرى فجوابكم عن تعلق الصفات بالمتعلقات إيجادا هو جوابنا عن نسبة الذات إلى الموجبات إيجابا والسؤال مشكل ، وقد أشرنا إلى حل الإشكال في حدث العالم وربما يقول الخصم ألستم رددتم معنى كونه حكيما إلى كونه مريدا أو فاعلا على مقتضى العلم ورد الكعبي كونه مريدا إلى كونه قادرا عالما ورد أبو الحسين البصري جملة الصفات إلى كونه قادرا عالما على رأي وإلى كونه قادرا على رأي وإلى كونه عالما على رأي فنحن رددنا جملة الصفات إلى كونه ذاتا واجبة الوجود على جلال وكمال تصدر منه الموجودات على أحسن نظام وأتقن إحكام ثم يشتق له اسم من نحو إيثاره لذاته أو اسم لذاته أو اسم من حيث تقدسه عن سمات مخلوقاته ويسمى الأول أسماء إضافية كالعلة والمبدأ والصانع ويسمى الثاني أسماء سلبية كالواحد والعقل والعاقل والجواب وأشتهي أن تجري في هذه الأسامي مباحثة عقلية للإنصاف والانتصاف.
فأقول العلة والمبدأ عندكم يقال على كل ما استمر له وجود في ذاته ثم حصل منه وجود شيء آخر ويقوم به وقد يكون الشيء علة للشيء بالذات وقد يكون بالعرض وقد تكون علة قريبة وقد تكون علة بعيدة وواجب الوجود لذاته تام الوجود في ذاته وحصل منه العقل الأول أهو علة له بالذات أم بالعرض فإن كان علة له بالذات لا بالعرض فهو مبدأ له بالقصد الأول لا بالقصد الثاني ولم يكن واجب الوجود غنيا مطلقا بل فقيرا محتاجا إلى كسب ولم يكن كاملا مطلقا بذاته لو لا معلوله؟ بل كاملا بغيره ناقصا باعتبار ذاته كيف وهم يأبون أن يكون المعلول الأول وسائر الموجودات إلا من لوازم تعلقه بذاته فلا يكون توجيه واجب الوجود الأزلي إلا إلى ذاته على سبيل الاستغناء المطلق عن الكل ووجوه سائر الموجودات إليه على سبيل احتياج الكل إليه وإن قالوا هو علة بالعرض لا بالذات مبدأ بالقصد الثاني لا بالقصد الأول قلنا فما لم تكن العلة علة لشيء بالذات لا تكون علة لشيء آخر بالعرض وما لم يكن مبدأ الشيء بالقصد الأول لا يكون مبدأ الشيء بالقصد الثاني فيلزم ما لزم في الأول فيبطل إطلاق لفظ العلة والمبدأ عليه.
ونقول أيضا كونه مبدأ وعلة لم يدخل في مفهوم كونه واجبا بذاته فإن مفهوم أنه علة أمر إضافي ومفهوم أنه واجب بذاته أمر سلبي وقد تمايز الأمران والمفهومان ويدل كل واحد منهما على غير ما دل عليه الثاني فمن أين يصح لكم رد المعاني إلى أمر واحد وهو الذات فتمايز المفهومات والاعتبارات عندكم وتمايز الأحوال عند أبي هاشم وتمايز الصفات عند أبي الحسن على وتيرة واحدة وكلكم يشير إلى مدلولات مختلفة الخواص والحقائق واعتذاركم أن كثرة اللوازم والسلوب والإضافات لا تقتضي كثرة في صفات